للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[المجلد الثالث]

[السمو الروحي الأعظم والجمال الفني في البلاغة النبوية]

...

بسم الله الرحمن الرحيم

السمو الروحي الأعظم والجمال الفني في البلاغة النبوية ١*

لما أردت أن أكتب هذا الفصل وهممت به، عرضت لي مسألة نظرت فيها أطلب جوابها، ثم قدرت أن يكون أبلغ فلاسفة البيان في أوربا لعهدنا هذا رجلًا يحسن العربية المبينة، وقد بلغ فيها مبلغ أئمتها علمًا وذوقًا، ودرَس تاريخ النبي صلى الله عليه وسلم درْس الروح لأعمال الروح، وتفقه في شريعته فقْه الحكمة لأسرار الحكمة، واستوعب أحاديثه واعتبرها بفن النقد البياني الذي يبحث في خصائص الكلام عن خصائص النفس؛ وتمثلت أني لقيت هذا الرجل فسألته: ما هو الجمال الفني عندك في بلاغة محمد صلى الله عليه وسلم؟ وماذا تستخرج لك فلسفة البيان منه؟ وما سره الذي يجتمع فيه؟

ولم يكد يخطر لي ذلك حتى انكشف الخاطر عن وجه آخر، وذلك أن يكون معنى هذا السؤال بعينه قد وقع في شيء من حديث النفس لأبلغ أولئك العرب الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم، وآمنوا به، واتبعوا النور الذي أنزل معه، وقد صحبه فطالت صحبته، لا يفوته من كلامه في الملأ شيء، وخالطه حتى كان له في الإحاطة بأحوال نفسه كبعض التاريخ، فتدبر ما عسى أن يكون سر الجمال في بلاغته صلى الله عليه وسلم، وما مرجعه الذي يرد إليه؟

لو دار السؤال دورتيه في هذه السليقة العربية المحكمة التي رجعت أن تكون فلسفة تشعر وتحس، وفي تلك الفلسفة البيانية الملهمة التي بلغت أن تكون سليقة تدرس وتفكر لما خلص من كلتيهما إلا برأي واحد تلتقي عليه حقيقة البيان من


١ أنشأ المؤلف رحمه الله هذا البحث جوابًا لرجاء جمعية الهداية الإسلامية في بغداد سنة ١٣٥٢هـ؛ وانظر كتابنا "حياة الرافعي" ص١٧٥-١٧٦، ١٧٨.
٢ بسطنا الكلام في كتابنا "إعجاز القرآن" عن بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة، وبقي هذا المعنى الذي تراه، فهذه المقالة كالتكملة على ما هناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>