"أرملة الحكومة" فيما تواضعنا عليه بيننا وبين قرائنا١ هو الرجل العزب، يكون مطيقًا للزواج، قادرًا عليه، ولا يتزوج؛ بل يركب رأسه في الحياة، ويذهب يموِّه على نفسه كذبًا وتدليسًا، وينتحل لها المعاذير الواهية، ويمتلق العلل الباطنة، يحاول أن يُلحق نفسه بمرتبة الرجل المتزوج من حيث يحط الرجل المتزوج إلى مرتبته هو؛ ويضيف شؤمه على النساء إلى هؤلاء النساء المسكينات، يزيدهن على نفسه شر نفسه، ويرميهن بالسوء وهو السوء عليهن، ويتنقصهن ومنه جاء النقص، ويعيبهن وهو أكبر العيب؛ لا يتذكر إلا الذي له، ولا يتناسى إلا الذي عليه، كأنما انقلبت أوضاع الدنيا، وتبدلت رسوم الحياة، فزالت الرجولة بتبعاتها عن الرجل إلى المرأة, وانفصلت الأنوثة بحقوقها من المرأة إلى الرجل، فوجب أن تحمل تلك ما كان يحمل هذا، فتُقدم ويقر وادعًا، وتتعب ويستريح، وتعاني الهموم السامية في الحياة الاجتماعية، ويعاني المخنث ابتساماته ودموعه، متكئًا في مجلسه النسيمي تحت جناح المِرْوحة. فأما المرأة فتشرف على هَلَكتها، وتخاطر بحاضرها ومستقبلها، وأما هو فيبقى من ثيابه في مثل الخِدْر المَصُون!
"أرملة الحكومة" هو ذلك الشاب الزائف المبهرج، يُحسَب في الرجال كذبًا وزورًا؛ إذ لا تكمل الرجولة بتكوينها حتى تكمل بمعاني تكوينها, وأخص هذه المعاني إنشاء الأسرة والقيام عليها، أي: مغامرة الرجل في زمنه الاجتماعي ووجوده القومي، فلا يعيش غريبًا عنه وهو معدود فيه، ولا طُفيليًّا فيه وهو كالمنفي منه، ولا يكون مظهرًا لقوة الجنس القوي هاربة هروب الجبن من حمل ضعف الجنس الآخر المحتمي بها، ولا لمروءة العشير متبرئة تبرؤ النذالة من مؤازرة العشير الآخر
١ انظر مقالة "استنوق الجمل" والتاء في "أرملة الحكومة" ليست للتأنيث، بل هي تاء جديدة في العربية، تزاد في هذه الكلمة خاصة واسمها تاء الهزؤ. ويا حبذا لو اصطلح النساء والفتيات والمتزوجون جميعًا على تسمية كل رجل عزب "أرملة الحكومة" فإن هذا الاسم إذا عم وشاع كان في معناه وفعله المطهر، حامضًا لغويًّا كحامض الفنيك!