أتأمل الآن هذا القلم في يدي -وأنا أفكر فيما سأكتبه للزهراء- فأرى نصاب القلم أضلاعًا حمرًا في لون المرجان، تنسرح قليلًا، ثم تستدير، ثم تستدق، ثم تخرج منها قادمة سوداء كأنها قصبة ريشة من جناح، وقد خيل إلي أن هذا اللون الأحمر المزهو يقول للأسود: إنما أنت غلطة الذي صنعني، فكيف ألهم في الإلهام فوسمني بهذا الميسم من حسن ولون وتركيب، ثم اعترضته الغفلة فيك فأخطأ، وأدركه العجز فلم يميز، ودخل على رأيه الوهن فإذا هو يصلك بي كالسيئة بعد الحسنة، وينزلك مني منزلة القبح من الجمال! فأين كانت صحة رأيه التي بلغ بها في أحسن ما وفق إليه حين بلغ فيك أسوأ ما يمكن أن يصنع؟ فيقول الأسود؛ إنما فيك أنت غلطة الصانع وبك أخطأ جهة الفن، فلم يزن منك ما كان وزن مني، ولا قدر لك مثل ما قد لي، وجئت غليظًا غير مقدود، وكنت إلى العرض ولم تكن إلى الطول، وكنت أحمر ولم تكن أسود؛ وما أراك إلا فاسد الحس، متغير الذوق، وما أراك صنعك هذا الرجل إلا في ساعة هم قاربت بين نفسه ورأيه، فما زجت بين رأيه وعمله، فجمعت بين عمله وغلطه.
ذلك منطق اللونين فيما أدركت منهما، وكلاهما مخطئ في جهة ما هو مستدل به أو متنظر فيه؛ والحقيقة من ورائهما، إذ الحكمة ليست في أحدهما لحمزة أو سواد، بل هي في اثنيهما جميعًا لائتلافهما جميعًا، فلا تنقسم عليهما قسمة ما؛ لأنها آتية بالمقابلة بين اثنيهما، وما لا يخرج أبدًا إلا من اثنين فهو أبدًا واحد لا نصف له؛ كالطفل من أبويه: لن تعرف شطره من أمه لأنك لن تعرف شطره من أبيه.
أفي الأرض كلها من يستطيع أن يقسم طفلًا واحدًا فيجعله طفلين تعتدل بهما الحياة وتمدهما بروحين من روح واحدة؟ إنك لن تجد هذا الخالق الأرضي ... إلا في طائفتين: الأولى قوم من ذاهبي العقول يخلقون كل شيء لأنهم لا يخلقون