للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قصة أب *:

حدثني المسكين فيما حدث وهو يصف ما نزل به قال:

رأيت الناس قد أنعم الله عليهم أن يكونوا آباء فنسأ بالولد في آثارهم. ومد بالنسل في وجودهم، وزاد منه في أرواحهم أرواحًا، وضم به إلى قلوبهم قلوبا، وملأ أعينهم من ذلك بما تقر به قرة عين كانت لم تجد ثم وجدت، فهم بهؤلاء الأطفال يملكون القوة التي ترجعهم أطفالا مثلهم في كل ما يسرهم، فيكبر الفرح في أنفسهم وإن كان في ذات نفسه ضئيلا صغيرًا، ويعظم الأمل في أشيائهم وإن كان هو عن شيء حقير لا يؤبه له.

وتلك حقيقة من حقائق السعادة لا أسمى ولا أعظم منها إلا الحقيقة الأخرى, وهي القوة التي يتحول بها الكون في قلب الوالدين إلى كنز من الحب والرحمة وجمال العاطفة، وبسحر من ابتسامة طفل أو طفلة، أو بكلمة منهما أو حركة، على حين لا يتحول مثل ذلك ولا قريبا منه بمال الدنيا، ولا بملك الدنيا.

رأيت الناس قد أنعم الله عليهم أن يكونوا آباء، ولكنه ابتلاني بأن أكون أبا، وأخرج لي من أفراح قلبي أحزان قلبي! ولقد كنت كرجل ملك دارًا يستمتع بها، فتمنى أن يشرع١ في جانب منها غرفة يزخرفها، فلما تم له ذلك وبلغ المقترح، انهدمت الدار وبقيت الغرفة قائمة!.

عمرك الله، أيشعر هذا الرجل في نكبته بالغرفة أم بالدار؟ وهل تراه زاد أو نقص؟ ويا ليتهما بيت وغرفة من بيت؛ فإن الحجارة تحيا بالبناء إذا ماتت بالهدم، ولكن من ذا يحيي الزوجة ماتت بعد أو ضعت بكرها الأول والآخر!

إنها طفلة ولدت وكأنما أخرجت من تحت الردم، إذ ولدت تحت ماض من


* هو الصديق الأديب عبد الله عمار. وانظر "عمله في الرسالة" من كتاب "حياة الرافعي".
١ أي يفتح غرفة إلى الشارع.

<<  <  ج: ص:  >  >>