قال الشاب: لا قِبَلَ لي بهذا التعب المعني الذي يسمونه "الزواج" فما هو إلا بيت ثقله على شيئين: على الأرض، وعلى نفسي؛ وامرأة همها في موضعين: في دارها، وفي قلبي؛ وما هو إلا أطفال يُلزمونني عمل الأيدي الكثيرة من حيث لا أملك إلا يدين اثنتين، وأتحمل فيهم رهقًا شديدًا كأنما أبنيهم بأيامي، وأجمع هموم رءوسهم كلها في رأس واحد هو رأسي أنا.
يولد كل منهم بمعدة تهضم لتوها وساعتها، ثم لا شيء معها من يد أو رجل أو عقل إلا هو عاجز لا يستقل، متخاذل لا يطيق ولا يقدر.
قال: وإذا كان أول الزواج أي: عسله وحلواه أنه امرأة تُذهب عزوبتي, فأنا وأمثالي ما نزال في عسل وحلوى ... ولكل وقت زواج، ولكل عصر أفكار، وما أسخف الليالي إذا هو ترادفت على ضرب واحد من أحلامها، فهذا يجعل النوم حكمًا بالسجن عشر ساعات!
قال: وإذا أردت أن تستكشف القصة فاعلم أننا -نحن العزاب- قوم كرجال الفن؛ رذيلتهم فنية، وفضيلتهم فنية، فتلك وهذه بسبيل؛ وكل شيء في الفن هو لموضعه من الفن لا من غيره؛ فإذا قلتَ: هذا خالٍ من الفضيلة، عار من الأدب؛ وعبت الفن لذلك, فما هو إلا كعيبك وجه المرأة الجميلة لأنه خال من لحية! هات الظلام وسواده، فإنه لون كالنور وإشراقه، لا بد من كليهما؛ إذ المعنى الفني إنما يكون في تناسب الأشياء لا في الأشياء ذاتها؛ ويد الفني كيد الغني؛ هذه لا يقع فيها الذهب إلا ليعدد ثم يتعدد؛ وتلك لا تقع فيها المرأة إلا لتتعدد ثم تتعدد؛ وفي كل دينار قوة جديدة، وفي كل امرأة فن جديد.
قال: ومذهبنا في الحياة أن نستمتع بها ضروبًا وأفانين؛ من أطاق لم يقتصر على نوعين، ومن قدر على نوعين لم يرض الواحد؛ ولو أن زوجة كانت من أشعة الكواكب أو من قطرات الندى، لثقل منها على حياتنا ما يثقل من الحديد والصَّوَّان؛ إذ هي لا تلد أشعة كواكب، ولا قطرات ندى؛ وحَسْب الجسد برأس واحد حِمْلًا.