للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصة زواج * وفلسفة المهر:

قال رسول عبد الملك: ويحك "يا أبا محمد" لكأن دمك والله من عدوك؛ فهو يفور بك لتلج في العناد فتقتل، وكأني بك والله بين سَبُعين قد فغرا عليك؛ هذا عن يمينك وهذا عن يسارك، ما تفر من حتف إلا إلى حتف، ولا ترحمك الأنياب إلا بمخاليبها.

ههنا هشام بن إسماعيل عامل أمير المؤمنين، إن دخلته الرحمة لك استوثق منك في الحديد، ورمى بك إلى دمشق، وهناك أمير المؤمنين، وما هو والله إلا أن يطعم لحمك السيف يعض بك عض الحية في أنيابها السم؛ وكأني بهذا الجنب مصروعًا لمضجعه، وبهذا الوجه مضرجًا بدمائه، وبهذه اللحية معفرة بترابها، وبهذا الرأس محتزًّا في يد "أبي الزعيزعة" جلاد أمير المؤمنين، يلقيه من سيفه رمي الغصن بالثمرة قد ثقلت عليه.

وأنت "يا سعيد" فقيه أهل المدينة وعالمها وزاهدها، وقد علم أمير المؤمنين أن عبد الله بن عمر قال فيك لأصحابه: "لو رأى هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لسَرَّه" فإن لم تكرم عليك نفسك فليكرم على نفسك المسلمون؛ إنك إن هلكت رجع الفقه في جميع الأمصار إلى الموالي؛ ففقيه مكة عطاء، وفقيه اليمن طاوس، وفقيه اليمامة يحيى بن أبي كثير، وفقيه البصرة الحسن، وفقيه الكوفة إبراهيم النخعي، وفقيه الشام مكحول، وفقيه خراسان عطاء الخراساني. وإنما يتحدث الناس أن المدينة من دون الأمصار قد حرسها الله بفقيهها القرشي العربي "أبي محمد بن المسيب" كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد علم أهل الأرض أنك حججت نيفًا وثلاثين حجة، وما فاتتك التكبيرة الأولى في المسجد منذ أربعين سنة، وما قمت إلا في موضعك من الصف الأول، فلم تنظر قط إلى قفا رجل في الصلاة؛ ولا وجد الشيطان ما يعرض لك من قبله في صلاتك ولا قفا رجل؛ فالله الله يا أبا محمد، إني والله ما أغشك


* انظر "قصص الرافعي" في "عود على بدء" من كتاب "حياة الرافعي".

<<  <  ج: ص:  >  >>