لكأنما والله تمدد على سيف البحر في الإسكندرية شيطان مارد من شياطين ما بين الرجل والمرأة، يخدع الناس عن جهنم بتبريد معانيها, وقد امتلأ به الزمان والمكان؛ فهو يُرعش ذلك الرمل بذلك الهواء رعشة أعصاب حية؛ ويرسل في الجو نفخات من جرأة الخمر في شاربها ثار فعربد، ويُطلع الشمس للأعين في منظر حسناء عريانة ألقت ثيابها وحياءها معًا، ويرخي الليل ليغطي به المخازي التي خجل النهار أن تكون فيه.
ولعمري إن لم يكن هو هذا المارد، ما أحسبه إلا الشيطان الخبيث الذي ابتدع فكرة عرض الآثام مكشوفة في أجسامها تحت عين التقي والفاجر؛ لتعمل عملها في الطباع والأخلاق؛ فسول للنساء والرجال أن ذلك الشاطئ علاج الملل من الحر والتعب، حتى إذا اجتمعوا، فتقاربوا، فتشابكوا، سول لهم الأخرى أن الشاطئ هو كذلك علاج الملل من الفضيلة والدين!
وإن لم يكن اللعينان فهو الرجيم الثالث، ذلك الذي تألى أن يفسد الآداب الإنسانية كلها بفساد خُلُق واحد، هو حياء المرأة؛ فبدأ يكشفها للرجال من وجهها، ولكنه استمر يكشف ... وكانت تظنه نزع حجابها فإذا هو أول عُرْيها ... وزادت المرأة، ولكن بما زاد فجور الرجال؛ ونقصت، ولكن بما نقص فضائلهم؛ وتغيرت الدنيا وفسدت الطباع؛ فإذا تلك المرأة ممن يقرونها على تبذلها بين رجلين لا ثالث لهما: رجل فجر ورجل تخنث.
هناك فكرة من شريعة الطبيعة هي عقل البحر في هؤلاء الناس، وعقل هؤلاء الناس في البحر؛ إذا أنت اعترضتَها فتبينتها فتعقبتها، رأيتها بلاغة من بلاغة