هؤلاء ثلاثة من الأدباء تجمعهم صفة العزوبة، ويحبون المرأة حبًّا خائفًا يقدم رِجْلًا ويؤخر أخرى؛ فلا يقبل إلا أدبر، ولا يعزم إلا انحل عزمه. بلغوا الرجولة وكأن ليست فيهم؛ وتمر بهم الحياة مرورها بالتماثيل المنصوبة، لا هذه قد وُلد لها ولا أولئك؛ وما برحوا يجاهدون ليحتملوا معاني وجودهم، لا ليطلبوا سعادة وجودهم، ويُمخرقون في شعوذة الحياة بالنهار على الليل، وبالليل على النهار، يحاولون أن يجدوا كالناس أيامًا وليالي، إذ لا يعرفون لأنفسهم من العزوبة إلا نهارًا واحدًا، نصفه أسود مقفر مظلم!
فأما "س" فرجل "كشيخ المسجد" يكاد يرى حصير المسجد حيث وَطِئت قدماه من الأرض, ذو دين وتقوى، ما يزال ينقبض وينكمش ويتزايل حتى يرجع طفلًا في ثلاثين من عمره. وهو حائر بائر لا يتجه لشيء من أمر المرأة، وقد فقد منها مما يحل وما يحرم، ولا جرأة لنفسه عليه، فلا جرأة له على الموبقات، ولا يزين له الشيطان ورطة منها إلا امَّلس منها، فإن له ثلاثة أبواب مفتوحة للهرب: إذ يخشى الله، ويتوقى على نفسه، ويستحيي من ضميره.
وأما "ا" فرجل مِعْزابة ولكنه كالإسفنجة، امتلأت حتى ليس فيها خلاء لقطرة، ثم عُصرت حتى ليس فيها بلال من قطرة؛ وقد بلغ ما في نفسه وقضى نهمته حتى مما أراد؛ ثم قلب الثوب. فإذا له داخلة ناعمة من الخز والديباج، وإذا هو "الرجل الصالح" العفيف الدَّخْلة، ما تنطلق له نفس إلى مأثم، ولا يعرف الشيطان كيف يتسبب لصلحه ومراجعته الود.
وأما "ع" فهو كالأعرج؛ إذا مشي إلى الخير أو الشر مشي بطيئًا برجل واحدة، ولكنه يمشي.... وهو "ملك الشوارع" لا يزال فيها مقبلًا مدبرًا طَرَفًا من النهار وزُلَفًا من الليل؛ فإذا لم يكن في الشارع نساء ظن الشارع قد هرب من المدينة، وخرج من طاعته ... ولهذه الشوارع أسماء عنده غير أسمائها التي يتعارفها الناس
١ هم الأصدقاء سعيد ... وأمين حافظ شرف وعبد الله عمار.