الوجه في إفراد شاعر أو كاتب من الماضين بالتأليف، أن تصنع كأنك تعيده إلى الدنيا في كتاب وكان إنسانًا وكان عمرًا، وترده حكاية وكان عملًا، وتنقله بزمنه إلى زمنك، وتعرضه بقومه على قومك، حتى كأنه بعد أن خلقه الله خلقة إيجاد بخلقه العقل خلقة تفكير.
من أجل ذلك لا بد أن يتقصى المؤلف في الجمع من آثار المترجم وأخباره، وأن يحمل في ذلك من العنت ما يحمله لو هو كان يجري وراء ملكي من يترجمه لقراءة كتاب أعماله في يديهما.. ولا بد أن يبالغ في التمحيص والمقابلة، ويدقق في الاستنباط والاستخراج، ويضيف إلى عامة ما وجد من العلم والخبر خاصة ما عنده من الرأي والفكر، ويعمل على أن ينقح ما انتهى إليه الماضي في أدبه وعلمه بما بلغ إليه الحاضر في فنه وفلسفته؛ وذلك من عمل العقل المتجدد أبدًا والمترادف على هذه الحياة بمذاهبه المختلفة، يشبه عمل الدهر المتجدد أبدًا والمترادف بالليل والنهار على هذه الأرض، كل نهار أو ليل هو آخر وهو أول، وكذلك العقول كلها آخر من ناحية وأول من ناحية.
والتجديد في الأدب إنما يكون من طريقتين: فأما واحدة فإيداع الأديب الحي في آثار تفكيره بما يخلق من الصور الجديدة في اللغة والبيان، وأما الأخرى فإبداع الحي في آثار الميت بما يتناولها به من مذاهب النقد المستحدثة وأساليب الفن الجديدة وفي الإبداع الأول إيجاد ما لم يوجد، وفي الثاني إتمام ما لم يتم؛ فلا جرم كانت فيهما معًا حقيقة التجديد بكل معانيها، ولا تجديد إلا من ثمة، فلا جديد؛ إلا مع القديم.
١ "المقتطف": وضع الأديب محمد صالح سمك رسالة قيمة في امرئ القيس "أمير الشعر في العصر القديم" تقع في نحو مائتين وخمسين صفحة، سلك فيها مسلكًا طريفًا، وحلاها بمقدمة بليغة للأستاذ الجليل مصطفى صادق الرافعي، فخص المؤلف المقتطف المقدمة وبعض أبحاث الرسالة فيها طبقًا لرغبتنا.