... وهذا مجلس من مجالس "الطائشة" مع صاحبها، مما تسقطه من حديثها؛ فقد كان يكتب عنها ما تصيب فيه وما تخطئ، كما يكتب أهل السياسة بعضهم عن بعض إذا فاوض الحليف حليفه، أو ناكر الخصم خصمه؛ فإن كلام الحبيب والسياسي الداهية ليس كلام المتكلم وحده، بل فيه نطق الدولة, وفيه الزمن يُقبِل أو يُدبِر.
وصاحب الطائشة كان يراها امرأة سياسية كهذه الدول التي تزعم صديقًا على الصداقة؛ لأنه في طريقها أو طريق حوادثها؛ وكان يسميها "جيش احتلال" إذ حطَّتْ في أيامه واحتلتها فتبوأت منها ما شاءت على رغمه، واستباحت ما أرادت مما كان يحميه أو يمنعه. وقد كان في مدافعته حبها واستمساكه بصداقتها كالذي رأى ظل شيء على الأرض, فيحاول غسله أو كنسه أو تغطيته. فهذا ليس مما يغسل بالماء، ولا يكنس بالمِكْنَسة، ولا يُغطَّى بالأغطية؛ إنما إزالته في إزالة الشبح الذي هو يلقيه، أو إطفاء النور الذي هو يثبته.
في كل شيء على هذه الأرض سخرية، والسخرية من الحسن الفاتن الذي تقدسه، تأتي من اشتهاء هذا الحسن؛ فذاك إسقاطه سقوطًا مقدسًا, أو ذاك تقديسه إلى أن يسقط، أو هو جعل تقديسه بابًا من الحيلة في إسقاطه. لا بد من سُفْل مع العلو يكون أحدهما كالسخرية من الآخر؛ فإذا قال رجل لامرأة قد فتنته أو وقعت من نفسه:"أحبك" أو قالتها المرأة لرجل وقع من نفسها أو استهامها, ففي هذه الكلمة الناعمة اللطيفة كل معاني الوقاحة الجنسية، وكل السخرية بالمحبوب سخرية بإجلال عظيم. وهي كلمة شاعر في تقديس الجمال والإعجاب به، غير أنها هي بعينها كلمة الجزار الذي يرى الخروف في جماله اللحمي الدهني، فيقول:"سمين! ".
لهذا يمنع الدين خلوة الرجل بالمرأة، ويحرم إظهار الفتنة من الجنس للجنس، ويفصل بمعاني الحجاب بين السالب والموجب، ثم يضع لأعين المؤمنين والمؤمنات