ذهب الناس يمينًا وشمالًا فيما كتبناه من خبر الإمام سعيد بن المسيب وتزويجه ابنته من طالب علم فقير، بعد إذ ضن بها أن تكون زوجًا لولي عهد أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان؛ وقد جعلت قلوب بعض النساء العصريات المتعلمات تصيح وتُوَلْوِل ... وحدثنا أديب ظريف أن إحداهن سألت عن عنوان عبد الملك بن مروان!.
أفتُراها ستكتب إليه أنها تقبل الزواج من ولي عهده؟
على أن للقصة ذيلًا، فإن الطبيعة الآدمية لا عصر لها، بل هي طبيعة كل عصر؛ والفضيلة الإنسانية يبدأ تاريخها من الجنة، فهي هي لا تتجدد ولا تزال تلوح وتختفي؛ أما الرذيلة فأول تاريخها من الطبيعة نفسها، فهي هي لا تتغير ولا تزال تظهر وتستسرّ.
لما زوج الإمام ابنته من ابن أبي وداعة، أخذها بنفسه إليه في يوم زوّجها منه، ومشى بها في طريق حصاه عنده أفضل من الدر، وترابه أكرم من الذهب. طارت الحادثة في الناس، واستفاض لهم قول كثير:{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[التوبة: ١٢٤] وقد قال جماعة منهم: تالله لئن انقطع الوحي، إن في معانيه بقية ما تزال تنزل على بعض القلوب التي تشبه في عظمتها قلوب الأنبياء؛ وما هذه الحادثة على الدنيا إلا في معنى سورة من السور قد انشقت لها السماء، ونزل بها جبريل يخفُق على أفئدة المؤمنين خفقة إيمان.
{وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ}[التوبة: ١٢٥] . وقال أناس منهم: أما والله لو تهيأ لأحدنا أن يكون لصا يسرق أمير المؤمنين، أو ابن أمير المؤمنين، لركب رأسه في ذلك، ما يردّه عن السرقة شيء؛ فكيف بمن تهيأ له الصهر والحسب، وجاءه الغنى يطرق بابه, ما باله يردّ كل ذلك ويخزي ابنته برجل فقير تعيش في داره بأسوأ حال؛ وكيف تثقل همته وتبطؤ وتموت، إذا