ضاق "نابغة القرن العشرين" بحمق المجنون الآخر؛ ورآه داهية دواه، كلما تعاقل أو تحاذق لم يأت له ذلك إلا بأن يكشف عن جنونه هو؛ فلا يبرح يجرعه الغيظ مرة بعد مرة، ولا يزال كأنه يسبه في عقله، فأراد أن يحتال لصرفه عن المجلس، فدفع إليه الرسالة التي جاء بها "البريد المستعجل" وقال له: خذ هذه فاذهب فألقها في دار البريد، فسيجيء بها الساعي مرة أخرى، ثم تذهب الثانية فتلقيها، ويعود فيجيء بها، وتكون أنت تذهب ويكون هو يجيء، فنضحك منه ويضحكون.
قال س. ع: ولكن كم يذهب هذا وكم يجيء ذاك؟
فغمزه "النابغة" بعينه أن اسكت؛ فتغافل س. ع، وقال: كم تريد أن يجيء الساعي ليهتف بنابغة القرن العشرين؟
قال المجنون الآخر: هذا هو الرأي، فلست قائما حتى أعرف كم مرة أذهب؛ فإن الساعي لا يجيء إلا راكبا، وأنا لا أذهب إلا راجلا، وإن لي رجلي إنسان لا رجلي دابة ...
قال "النابغة": سبحان الله؟ بقليل من الجنون يخرج من الإنسان مجنون كامل مستلب العقل. بيد أنه لا يأتي النابغة إلا من كثير وكثير، ومن النبوغ كله بجميع وسائله وأسبابه على تعددها وتفرقها وصعوبة اجتماعها لإنسان واحد "كنابغة القرن العشرين"، فهو الذي توافت إليه كل هذه الأسباب، وتوازنت فيه كل تلك الخلال. إنه ليس الشأن في العلم ولا في التعليم؛ ولكنما الشأن في الموهبة التي تبدع الابتكار، كموهبة "نابغة القرن العشرين"، فبها تجيء أعماله منسجمة دالة بنفسها على نفسها؛ ومتميزة مع كونها منسجمة دالة بنفسها على نفسها، متلائمة مع كونها متميزة دالة بنفسها على نفسها ...
هذا س. ع، كان الأول بين خريجي مدرسة دار العلوم، مدرسة الأدب