والعربية، والمنطق والتحذلق، وبلاغة اللسان وصحة النظر؛ وهو يعرف أن الكتاب يلقى في البريد وعليه طابع واحد، فيصل إلى غايته بهذا الطابع، ثم يرى بعيني رأسه أربعة طوابع على هذه الرسالة المعنونة باسم "نابغة القرن العشرين"، فلا يدرك بعقله أن معنى ذلك أن من حق هذه الرسالة أن تصل إلي أنا أربع مرات.
فطرب المجنون الآخر، واهتز في مجلسه، وصفق بيديه، وقال:"مما حفظناه" هذا الحديث: "يحاسب الله الناس على قدر عقولهم". فلا تؤاخذ س. ع، فإن مدرسة دار العلوم تعلمهم:"فيها قولان"، وفيها ثلاثة أقوال, وفيها أربعة أوجه، ولكنها لا تعلمهم فيها أربعة طوابع ...
ثم التفت إلى س. ع، وقال له: لا عليك، فأنا صاحبه وخليطه، وحامل علمه وراوية أدبه، وأكبر دعاته وثقاته، وما علمت هذه الحكمة منه إلا في هذه الساعة.
قال ا. ش: فإذا كان هذا، فإن لقائل أن يقول: لماذا لم يضع على كتابه عشرة من الطوابع، فيجيء به الساعي عشر مرات.
قال "النابغة": وهذا أيضا؟
"وما شر الثلاثة أم عمرو بصاحبك الذي لا تصحبين"؛ إن الشمعة في يد العاقل تكون للضوء فقط، ولكنها في يد المجنون للضوء ولإحراق أصابعه، كم الساعة الآن؟
قلنا: هي التاسعة.
قال: ومتى ينصرف أهل هذا الندي؟
قلنا: لتمام الثانية عشرة.
قال: فإذا كان الساعي يتردد في كل ساعة مرة، فهي أربع مرات إلى أن ينفض المجتمعون هنا، وبين ذلك ما يكون قد ذهب قوم عرفوا "نابغة القرن العشرين"، وجاء قوم غيرهم فيعرفونه، وأما بعد ذلك فلا يجد الساعي هنا أحدا؛ فلا تكون فائدة من مجيئه.
فصفق المجنون الآخر وقال: هذا وأبيك هو التهدي إلى وجه الرأي وسداده، وهذا هو الكلام الرصين الذي يقوم على أصول الحساب والجغرافيا ... "ومما حفظناه" هذا الحديث: "لا مال أعود من العقل". فأربعة طوابع، لأربع مرات، في أربع ساعات؛ وما عدا هذا فإسراف وتبذير؛ ولا مال أعود من العقل.