اللغة والدين والعادات ١ باعتبارها من مقومات الاستقلال:
ليست حقيقة الأمة في هذا الظاهر الذي يبدو من شعب مجتمع محكوم بقوانينه وأوضاعه؛ ولكن تلك الحقيقة هي الكائن الروحي المكتنِّ في الشعب، الخالص له من طبيعته، المقصور عليه في تركيبه كعصير الشجرة؛ لا يرى عمله والشجرة كلها هي عمله.
وهذا الكائن الروحي هو الصورة الكبرى للنسب في ذوي الوشيجة من الأفراد، بيد أنه يحقق في الشعب قرابة الصفات بعضها من بعض؛ فيجعل للأمة شأن الأسرة، ويخلق في الوطن معنى الدار، ويوجد في الاختلاف نزعة التشابه، ويرد المتعدد إلى طبيعة الوحدة، ويبدع للأمة شخصيتها المتميزة، ويوجب لهذه الشخصية بإزاء غيرها قانون التناصر والحمية؛ إذ يجعل الخواطر مشتركة، والدواعي مستوية، والنوزاع متآزرة؛ فتجتمع الأمة كلها على الرأي: تتساند له بقواها ويشد بعضها بعضًا فيه؛ وبهذا كله يكون روح الأمة قد وضع في كلمة الأمة معناها.
والخلق القوي الذي ينشئه للأمة كائنها الروحي، هو المبادئ المنتزعة من أثر الدين واللغة والعادات، وهو قانون نافذ يستمد قوته من نفسه؛ إذ يعمل في الحيز الباطن من وراء الشعور، متسلطًا على الفكر، مصرفًا لبواعث النفس؛ فهو وحده الذي يملأ الحي بنوع حياته، وهو طابع الزمن على الأمم، وكأنه على التحقيق وضع الأجداد علامتهم الخاصة على ذريتهم.
أما اللغة فهي صورة وجود الأمة بأفكارها ومعانيها وحقائق نفوسها، وجودًا متميزًا قائمًا بخصائصه؛ فهي قومية الفكر، تتحد بها الأمة في صور التفكير وأساليب أخذ المعنى من المادة؛ والدقة في تركيب اللغة دليل على دقة الملكات
١ أنشأها للمسابقة الأدبية العامة في عهد على ماهر "باشا" سنة ١٩٣٦، وانظر ص١٣١ "حياة الرافعي".