"عصمت" بن فلان باشا طفل مترف يكاد ينعصر لينًا، وتراه يَرِف رفيفًا مما نشأ في ظلال العز، كأن لروحه من الرقة مثل ظل الشجرة حول الشجرة. وهو بين لِدَاته من الصبيان كالشوكة الخضراء في أملودها الريان، لها منظر الشوكة؛ على مجسَّة لينة ناعمة تُكَذِّب أنها شوكة إلا أن تيبس ونتوقَّح.
وأبوه "فلان" مدير لمديرية كذا، إذا سُئل عنه ابنه قال: إنه مدير المديرية. لا يكاد يعدو هذا التركيب، كأنه من غرور النعمة يأبى إلا أن يجعل أباه مديرًا مرتين. وكثيرًا ما تكون النعمة بذيئة وَقَاحًا سيئة الأدب في أولاد الأغنياء، وكثيرًا ما يكون الغنى في أهله غنى من السيئات لا غير!
وفي رأي "عصمت" أن أباه من علو المنزلة كأنه على جناح النسر الطائر في مسبحه إلى النجم، أما آباء الأطفال من الناس فهم عنده من سقوط المنزلة على أجنحة الذباب والبعوض!
ولا يغدو ابن المدير إلى مدرسته ولا يتروح منها إلا وراءه جندي يمشي على أثره في الغدوة والروحة إذا كان ابن المدير، أي: ابن القوة الحاكمة، فيكون هذا الجندي وراء الطفل كالمَنْبَهة له عند الناس، تفصح شارته العسكرية بلغات السابلة جمعاء أن هذا هو ابن المدير. فإذا رآه العربي أو اليوناني، أو الطلياني أو الفرنسي، أو الإنجليزي أو كائن من كان من أهل الألسنة المتنافرة التي لا يفهم لسان منها عن لسان, فهموا جميعًا من لغة هذه الشارة أن هذا هو ابن المدير؛ وأنه من الجندي الذي يتبعه كالمادة من القانون وراءها الشرح!
ولقد كان يجب لابن المدير هذا الشرف الصبياني. لو أنه يوم وُلد لم يولد ابن ساعته كأطفال الناس، بل وُلد ابن عشر سنين كاملة لتشهد له الطبيعة أنه كبير قد انصدعت به معجزة! وإلا فكيف يمشي الجندي من جنود الدولة وراء طفل فيتبعه ويخدمه وينصاع لأمره؛ وهذا الجندي لو كان طريد هزيمة قد فر في معركة من معارك الوطن، وأريد تخليده في هزيمته وتخليدها عليه بالتصوير, لما صُور