للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيطاني وشيطان طاغور ... ١:

طاغور هذا شاعر الهند، مر بمصر مرور شمس الشتاء باليوم المطير: لا يقع نورها إلا في القلوب مما تستخف وتستهوي، ومما تمتنع وتتأبى، ومما ترق وتلطف؛ وتنقدح بين السحب الهامية فإذا لها من الجمال والسحر والعجب ما يكون لجمرة تخرجها السماء معجزة للناس فيرونها ترسل الشعاع مرة وتمطر الماء مرة.

لم ألق طاغور ولكني أنفذت إليه شطاني وقلت أوصيه قبل أن يخرج لوجهه: قد علمت أن هذا الرجل هندي؛ ولكنه إنسان، فما أرض أولى به من أرض؛ وأنه شاعر، ولكنه مخلوق، فما طبيعة أغلب عليه من طبيعة؛ وأنه حكيم، ولكنه تركيب ما جبلت له طينة غير الطينة؛ وأنه سماوي، غير أنه سماوي كعلماء الفلك: سماؤه في منظار وكتاب وقلم وحبر ... فاذهب إليه فداخل شيطانه، فإنك واجد له من ذلك ما لكل الشعراء، وربما عرفت شيطانه من ذوي قرابتك أو خالصة أهلك، ثم ائتني بكلامه على جهة ما هو مفكر فيه، لا على جهة ما متكلم به؛ وخذ ما يهجس على قلبه، ودع ما يجري في لسانه؛ فإن هذا سيأتي به إخوانك من "مندوبي الصحف" ... واعلم أن كل حكيم مهيئ لمسائل من حوله كلامًا. غير أن معاني من حوله مهيئة له مسائل أخرى يفكر في كل جواب عليها ولا ينطق بجواب عليها.

فحدثني شيطاني بعد رجوعه قال: حدثني شيطان طاغور قال: لما هبط طاغور هذا الوادي نظر نظرة في الشمس، ثم قال: أنت هنا وأنت هناك، تقربين بأثر وتبعدين بأثر، وتطلعين بجو وتغربين بجو، فلا تختلفين وتختلف بك الأقاليم، ثم تتغير بالأقاليم الأمم، ثم تتغير بالأفكار والمنازع أغراضها ومصالحها، ثم تتغير بمصالحها وأغرضها الحقائق الإنسانية؛ وإنما الباطل والحق فيما تستقبل هذه الحقائق أو تستدبر، وقد غلبت


١ البلاغ الأسبوعي سنة ١٩٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>