نظرت إليها ونظرت: أما هي، فَرَنت إلي في سكون، وكانت نظرتها معاتبة طويلة التملق والتوجع, وفيها الانكسار والفُتور، وفيها الاسترخاء والدلال.
وبينا كان طَرْفها ساجيًا فاترًا كأنه ينظر أحلامه، إذ حدَّدَتْه إلي فجأة ونظرت نظرة مدهوش، فبدت عيناها فزعتين ولكن في وجه مطمئن.
ثم لم تكد تفعل حتى ضيقت أجفانها وحدّقت النظر متلألئًا بمعانيه، فبدت عيناها ضاحكتين ولكن في وجه متألم.
ثم ابتسمت بوجهها وعينيها معًا، وأتمت بذلك أجمل أساليب المرأة الجميلة المحبوبة في اعتراضها على من تحبه، وجدالها مع فكره، وكسر حجته في كبريائه، وانتزاع الفكرة المستقلة من نفسه.
وأما أنا؛ فكان نظري إليها ساكنًا متألمًا يقر أنه عجز عن جواب عينيها, وسيبقى عاجزًا عن جواب عينيها.
إن وجهها هو الابتسام وروح الابتسام، وجسمها هو الإغراء وروح الإغراء، وفنها هو الفتنة وروح الفتنة, وهي بهذا كله هي الحب وروح الحب؛ غير أن فهمها على حقيقتها في الناس يجعل ابتسامها عداوة من وجهها، وإغراءها جريمة لجسمها، وفنها رذيلة في جمالها؛ وهي بهذا كله هي الشقاء وروح الشقاء.
أما أني أحب فنَعَمْ ونِعِمَّا، بل أراه حبًّا فالقًا كبدي، وليس يخلو فؤادي أبدًا من سوالف حب مضى؛ وأما أني أسترذل في الحب وأمتهن فضيلتي وأنزل بها، فلا وأبدًا.
إن ذلك الحب هو عندي عمل فني من أعمال النفس، ولكن الفضيلة هي النفس ذاتها؛ الحب أيام جميلة عابرة في زمني؛ أما الفضيلة فهي زمني كله؛ وذلك