وأنظر إليها، فإذا وجهها القمري الأزهر قد شَرِق لونه، وظهر فيه من الحياء ما يظهر مثله على وجه العذراء المخدّرة إذا أنت مسستها برِيبة١؛ فما شككت أنها الساعة امرأة جديدة قد اصطلح وجهها وحياؤها، وهما أبدًا متعاديان في كل امرأة مكشوفة العفة.
وذهبت أستدرك وأتأول، فقلت لها: ما ذلك أردتُ، ولا حَدَست على هذا الظن، وإنما أنا مشفق عليك متألم بك، وهل يعرض لك إلا الطبقة النظيفة من المجرمين والخبثاء وأهل الشر؛ أولئك الذين أعاليهم في دور الخلاعة والمسارح، وأسافلهم في دور القضاء والسجون؟
فقالت: أعترف بأنك لم تحسن قلب الثوب، فظهر لكل عين أنه مقلوب، لكنك تحبني وهذا كافٍ أن ينهض منه عُذْر!
قال الأستاذ "ح": إنه يحبك، ولكن أتعرفين كيف حبه؟ هذا باب يضع عليه دائمًا عدة من الأقفال.
قالت: فما أيسر أن تجد المرأة عدة من المفاتيح.
قال: ولكنه عاشق ينير العشق بين يديه؛ فكأنه هو وحبيبته تحت أعين الناس: ما تطمع إلا أن تراه، وما يطمع إلا أن يراها، ولا شيء غير ذلك؛ ثم لا يزال حسنها عليه ولا يزال هواه إليها، وليس إلا هذا.
قالت: إن هذا لعجيب.
قال: والذي هو أعجب أن ليس في حبه شيء نهائي، فلا هجر ولا وصل؛ ينساك بعد ساعة، ولكنك أبدًا باقية بكل جمالك في نفسه. والصغائر التي تُبكي الناس وتتلذع في قلوبهم كالنار ليجعلوها كبيرة في همهم ويطفئوها وينتهوا منها ككل شهوات الحب, تبكيه هو أيضًا وتعتلج في قلبه، ولكنها تظل عنده صغائر ولا يعرفها إلا صغائر؛ وهذا هو تجبره على جَبَّار الحب.
قال الراوي:
ونظرت إليها ونظرت، وعاتبت نفس نفسًا في أعينهما، وسألت السائلة وأجابت المجيبة، ولكن ماذا قلت لها وماذا قالت؟