قلبها على الخفَر والحياء، وحولت جمالها من جمال طابعه الرذيلة، إلى جمال طابعه الفن، وأشعرت أفراحها التي اعتادتها روح الحزن من أجلنا، فأدخلت بذلك على أحزانها التي اعتادتها روح الفرح بنا.
من ذا الذي يعرف أن أدبه يكون إحسانًا على نفس مثل هذه ثم لا يحسن به١؟
تتجدد الحياة متى وجد المرء حالة نفسية تكون جديدة في سرورها. وهذه المرأة المسكينة لا يعنيها من الرجل من هو, ولكن كم هو ... لم تر فينا نحن الرجل الذي هو "كم"، بل الذي هو "من". وقد كانت من نفسها الأولى على بعد قصي كالذي يمد يده في بئر عميقة ليتناول شيئًا قد سقط منه؛ فلما جلستْ إلينا، اتصلت بتلك النفس من قرب؛ إذ وجدت في زمنها الساعة التي تصلح جسرًا على الزمن.
قال الراوي:
كذلك رأيتها جديدة بعد قليل، فقلت للأستاذ "ح": أما ترى ما أراه؟
قال: وماذا ترى؟ فأومأت إليها وقلت: هذه التي جاءت من هذه. إن قلبها ينشر الآن حولها نورًا كالمصباح إذا أضيء، وأراها كالزهرة التي تفتحت؛ هي هي التي كانت، ولكنها بغير ما كانت.
فقالت هي: إني أحسبك تحبني؛ بل أراك تحبني؛ بل أنت تحبني, لم يخف علي منذ رأيتك ورأيتني.
قلت: هبيه صحيحًا، فكيف عرفته ولم أصانعك، ولم أتملق لك، ولم أزد علي أن أجيء إلى هنا لأكتب؟
قالت: عرفته من أنك لم تصانعني، ولم تتملق لي، ولم تزد على أن تجيء إلى هنا لتكتب.
قلت: ويحك، لو كُحلت عين "الميكرسكوب" لكانت عينك. وضحكنا جميعًا؛ ثم أقبلت على الأستاذ "ح" فقلت له: إن القضايا إذا كثر ورودها على القاضي جعلت له عينًا باحثة.
١ في كتابنا "السحاب الأحمر" فصل طويل عنوانه "الربيطة"، كتبناه في مثل موضوع "الجمال البائس"، غير أنه بمنحى آخر ومعانٍ أخرى. والربيطة هي الكلمة العربية التي تقابل كلمة MAITRESSE يريد بها الأوروبيون المرأة البغي ترتبط بأجر في دار الرجل لتحل محل الزوجة.