للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القديم والجديد ١:

أقول للأستاذ الفاضل الدكتور طه حسين "في رفق ولين" وفي عجلة أيضًا: إني في هذه الأيام ضنين بما أملك من وفتي أشد الضن، أحسب السماء تتفجر من يومي في ساعة كالفجر، فلا يصرفني عن تلك الساعة شيء ولا يصرفها عني شيء؛ إذ بين يدي كتاب في الرسائل أعمل فيه وأستعين الله على الفراغ منه في وقت معين، وقد أظل أو كاد؛ فلا يرين الأستاذ أني أستطير هذه المرة كالطيرة الأولى، فإن جناحي في فضاء آخر، وإن هذا الكتاب الذي أعالجه لا يجشمني عرفًا من القرية كما قالوا قديمًا، بل لعله في ألمه أشبه "بعملية" تشريح في القلب، وستذهب الدقائق التي أكتب فيها هذه الكلمة مأسوفًا عليها، لأنها ذاهبة بصفحتين من كتابي.

وأما بعد، فلا أرى من الإنصاف أن يعمد الدكتور إلى جمل يقتضبهن من مقالي في مجلة الهلال ثم يهدفها للرد، وكان عسى أن يدفع عنها شيء مما قبلها أو ما بعدها أو يشد منها بعض جهاتها أو يأتي بها في سياق يبين عن معناها.

وزعم الأستاذ أنه لا يفهم من كلامي هذه الجملة "وأنت تعلم أن الذوق الأدبي في شيء إنما هو فهمه، وأن الحكم على شيء إنما هو أثر الذوق فيه، وأن النقد إنما هو الذوق والفهم جميعًا.. ثم دار بهذه الكلمات دورة العاصفة وجعلها مسألة كمسألة الدور والتسلسل المشهورة، بل جعلها من قبيل "قصة وقضية".. فتراه يقول: ذوق هو الفهم، وفهم هو الذوق، وفهم ليس بالذوق، وذوق ليس بالفهم، وهلم صاعدًا ونازلًا؛ وضرب لنا مثلًا بالموسيقى فقال: "ما نظن أن الذين يطوقون الموسيقى ويطربون لها يفهمونها جميعًا". وأنا أفسر كلامي بهذا المثل نفسه، أقتصر عليه ولا أعدوه.

نأتي الآن بأستاذ قد برع في الموسيقى وخالطت أعصابه ولحمه ودمه، وندفع


١ نشرها حين المعركة بينه وبين الدكتور طه حسين حول كتابيه: "رسائل الأحزان" و"السحاب الأحمر"؛ وللدكتور فيهما وفي أسلوبهما رأي.
وانظر كتابي: "المعركة تحت راية القرآن". و"حياة الرافعي".

<<  <  ج: ص:  >  >>