وقال صاحب سر "م" باشا: ألقى إلي الباشا ذات يوم أن "سعدا" مصبحنا زائرًا١، وكانت بين الرجلين خاصة وأسباب وطيدة. وللباشا موقع أعرفه من نفس سعد كما أعرف الشعلة في بركانها؛ أما سعد فكان قد انتهى إلى النهاية التي جعلته رجلا في إحدى يديه السرح وفي الأخرى المعجزة، فهو من عظماء هذه البلاد كقاموس اللغة من كلمات اللغة, يرد كل مفرد إليه في تعريفه، ولا تصح الكلمة عند أحد إلا إذا كانت فيه الشهادة على صحتها.
وجاءنا سعد غدوة، فأسرعت إلى تقبيل يده قبلة لا تشبهها القبلات، إذ مثلت لي من فرحها كأنها كانت منفية ورجعت إلى وطنها العزيز حين وضعت على تلك اليد.
إن الرجل العظيم إذا كان بارا بأبيه عارفا قدره مدركا عظمته، يشعر حين يقبل يد أبيه كأنه يسجد بروحه سجدة لله على تلك اليد التي يقبلها، ويجد في نفسه اتصالا كهربائيا بين قلبه وبين سر وجوده، ويخصه العالم بلمسة كأن قبلته نبضت في الكون, وكل هذا قد أحسسته أنا في تقبيلي يد سعد، وزدت عليه شعوري بمثل المعنى الذي يكون في نفس البطل حين يقبل سيفه المنتصر.
وضحك لي سعد باشا ضحكته المعروفة، التي يبدأها فمه، وتتمها عيناه، ويشرحها وجهه كله، فتجد جوابها في روحك كأنه في روحك ألقاها.
والرجل من الناس إذا نظر إلى سعد وهو يبتسم، رأى له ابتسامة كأنها كمال يتواضع، فيحس كأن شيئا غير طبيعي يتصل منه بشيء طبيعي، فينتعش ويثب في وجوده الروحي وثبة عالية تكون فرحًا أو طربًا أو إعجابًا أو خشوعًا أو كلها معا.
غير أن الرجل من الحكماء إذا تأمل وجه سعد، وهو يضحك ضحكته المطمئنة المتمكنة من معناها المقر أو المنكر أو الساخر أو أي المعاني -حسب نفسه يرى