قال المسيب بن رافع: وقام الشعبي إلى الرجل فاعتنقه فرحا بما آل أمره إليه، بعد إذ رأى النور يجري على لونه ويترقرق في ديباجته، كأنما وقع الصلح بين وجهه وبين الحياة. ثم قال له: نعم أخو الإسلام أنت، فاستعذ بالله من خذلانه، فإنه ما خذلك إلا وضعك نفسك بإزاء الله تعارضه أو تجاريه في قدرته، فيكلك إلى هذه النفس، فتنتهي بك إلى العجز، وينتهي العجز بك إلى السخط، ومتى كنت عاجزا ساخطًا، محصورا في نفسك موكولا إلى قدرتك، كنت كالأسد الجائع في الفقر، إذا ظن أن قوته تتناول خلق الفريسة؛ فيدعو ذلك إلى نفسك اليأس والانزعاج والكآبة؛ وأمثالها من هذه المهلكات تقدح في قلبك الشك في الله، وتثبت في روعك شر الحياة، وتهدي إلى خاطرك حماقات العقل، وتقرر عندك عجز الإرادة؛ فتنتهي من كل ذلك ميتا قد أزهقتك نفسك قبل أن تزهقها!
ولو كنت بدل إيمانك بنفسك قد آمنت بالله حق الإيمان، لسلطك الله على نفسك ولم يسلطها عليك؛ فإذا رمتك المطامع بالحاجة التي لا تقدر عليها، رميتها من نفسك بالاستغناء الذي تقدر عليه؛ وإذا جاءتك الشهوات من ناحية الرغبة المقبلة، جئتها من ناحية الزهد المنصرف، وإذا ساورتك كبرياء الدنيا أذللتها بكبرياء الآخرة.
وبهذا تنقلب الأحزان والآلام ضروبا من فرح الفوز والانتصار على النفس وشهواتها، وكانت فنونا من الخذلان والهم، وتعود موضع فخر ومباهاة، وكانت أسباب خزي وانكسار، "وعزيمة الإيمان إذا هي قويت حصرت البلاء في مقداره، فإذا حصرته لم تزل تنقص من معانيه شيئا شيئا، فإذا ضعفت هذه العزيمة جاء البلاء غامرًا متفشيا يجاوز مقداره بما يصحبه من الخوف والروع، فلا تزال معانيه تزيد شيئا فشيئا بما فيه وبما ليس فيه.
وللإيمان ضوء في النفس ينير ما حولها فتراه على حقيقته الفانية وشيكا أن