قال المحدث: وتبين في العجوز "ن" أثر التعب، فتوجع وأخذ يئن كأن بعضه قد مات لوقته.. أو وقع فيه اختلال جديد، أو نالته ضربة اليوم؛ والشيخ متى دخل في الهرم دخل في المعركة الفاصلة بينه وبين أيامه.
ثم تأفف وتململ وقال: إن أول ما يظهر على من شاخ وهرم، هو أن الطبيعة قد غيرت القانون الذي كانت تحكمه به.
قال الأستاذ "م": إن صاحبنا كان قاضيًا يحكم في المحاكم، وأرى المحاكم قد حكمت عليه بهذه الشيخوخة "مطبقة فيها" بعض المواد من قانون العقوبات فما خرج من المحكمة إلا في الحبس الثالث.
فضحك "ن" وقال: قد عرفنا "الحبس البسيط" و"الحبس مع الشغل" فما هو هذا الحبس الثالث؟
قال: هو "الحبس مع المرض" ...
قال "ن": صدقت لعمري، فإن آخر أجسامنا لا يكون إلا بحساب من صنعة أعمالنا؛ وكأن كرسي الوظيفة الحكومية قد عرف أنه كرسي الحكومة، فهو يضرب الضرائب على عظام الموظفين ... أتدري معنى قوله تعالى:{وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ}[النحل: ٧٠] ولم سماه الأرذل؟
قلنا: فلم سماه كذلك؟
قال: لأنه خلط الإنسان بعضه ببعض، ومسه من أوله إلى آخره، فلا هو رجل ولا شباب ولا طفل، فهو أردأ وأرذل ما في البضاعة ...
فاستضحك الأستاذ "م" وقال: أما أنا فقد كنت شيخًا حين كنت في الثلاثين من عمري، وهذا هو الذي جعلني فتى حين بلغت السبعين.