أيها الناس، إن ههنا الإنسان الذي هو قانون دائمًا، والذي هو قوة أبدًا، والذي هو سجن حينًا، والذي هو الموت إذا اقتضى الحال.
أتحسب يا بني هذا الشرطي قائمًا في هذا الشارع كجدران هذه المنازل؟ كلا يا بني؛ إنه واقف أيضًا في الإرادة الإنسانية وفي الحس البشري وفي العاطفة الحية؛ فكيف لا يمحوه المجددون مع أنه في ذاته إرغام بمعنى، وإكراه بمعنى غيره، وقيد في حالة، وبلاء في حالة أخرى؟
لكنه إرغام ليقع به التيسير، وإكراهٌ لتنطلق به الرغبة، وقد لتتمجد به الحرية؛ وكان هو نفسه بلاء من ناحية؛ ليكون هو نفسه عصمة من الناحية التي تقابلها.
يا بني، كل دين صالح، وكل فضيلة كريمة، وكل خلق طيب -كل شيء من ذلك إنما هو على طريق المصالح الإنسانية كهذا الشرطي بعينه: فإما تخريب العالم أيها المجددون، وإما تخريب مذهبكم..
قال العجوز "ن": أنبحث عما نتسلط به أم نبحث عما يتسلط علينا؟ وهل نريد أن تكون غرائزنا أقوى منا وأشد، أو نكون نحن أشد منها وأقوى؟ هذه هي المسألة لا مسألة الجديد والقديم.
فإن لم يكن هناك المثل الأعلى الذي يعظم بنا ونعظم به، فسد الحس وفسدت الحياة؛ وكل الأديان الصحيحة والأخلاق الفاضلة إن هي إلا وسائل هذا المثل الأعلى للسمو بالحياة في آمالها وغايتها عن الحياة نفسها في وقائعها ومعانيها.
قال المحدث: ورأيتني بين العجوزين كأني بين نابين؛ ولم أكن مجددًا على مذهب إبليس الذي رد على الله والملائكة وظن لحمقه أن قوة المنطق تغير ما لا يتغير؛ فسكت، حتى إذا فرغا من هذه الفلسفة قلت: والرحلة إلى سنة ١٨٩٥؟