للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القلب المسكين "١": ١

أقبل علي صاحبي الأديب وقال: انظر، هذه هي، وقد حلت بهذا البلد وما لي عهد بها منذ سنة. ومد إلي يده فنظرت إلى صورة امرأة كأحسن النساء وجهًا وجسمًا، تتأود في غلالة من اللاذ*.

وكأن شعاع الضحى في وجهها، وكأنها القمر طالعًا من غيمة، ويكاد صدرها يتنهد وهي صورة، وتبدو هيئة فمها كأنها وعد بقبلة، وفي عينها نظرة كالسكوت بعد الكلمة التي قيلت همسًا بينها وبين محبها..

فقلت: هذه صورة ما أراها قد رسمها إلا اثنان: المصور وإبليس؛ فمن هي؟ قال: سلها، أما تراها تكاد تثب من الورقة؟ إنها إلا تخبرك بشيء أخبرك عنها وجهها أنها أجمل النساء وأظرفهن وأحسن من شاهدت وجهًا وأعينًا، وثغرًا وجيدًا والذي بعد ذلك..

قلت: ويحك، لقد شعرت بعدي، إن هذا شعر موزون:

وأحسن من شاهدت وجهًا وأعينا ... وثغرًا وجيدًا والذي بعد ذلكا ...

قال: إن شيطان هذه لا يكون إلا شاعرًا؛ ألست تراه ناظمًا من فنونها على الرسم شعرًا معجزًا كل شاعر؟

قلت: وهذا أيضًا شعر موزون:

ألست تراه ناظمًا من فنونها ... على الرسم شعرًا معجزًا كل شاعر

قال: بلى والله إنه الشيطان، إنه شيطانها، يريك لهذا الجسم روحًا رشيقة، تلين كلين الجسم، بل هي أرشق.

قلت: وهذا أيضًا، والقافية التي بعد هذا البيت: وبها شقوا ...


١ انظر قصة صاحبة هذا القلب المسكين ص٢٣٩ "حياة الرافعي" وهي هي صاحبة "الجمال البائس".
٢ اللاذ: الحرير الصيني الرقيق، والغلالة: مثل القميص الذي تحت الثياب.

<<  <  ج: ص:  >  >>