للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعد شوقي *:

كان يتوجه الظن على شوقي رحمه الله فيزعم الزاعم أن شوقي هو يحيى شعره، وهو يرفع منه، وهو يشيع حوله قوة الجذب من مغناطيس الثروة والمكانة، وأن الرجل ما أوفى على الشعراء جميعًا لأنه أفضلهم، بل لأنه أغناهم؛ ولا من أنه أقواهم قوة، بل لأنه أقواهم حيلة؛ وأن الشاعر لو جاء يومه لبطل السحر والساحر، فترجع العصا وهي عصًا بعد أن انقلبت حية، ويؤول هذا الشعر إلى حقيقته، وتتسم الحقيقة بسمتها؛ كأن شوقي كان يعمل لشعره بقوة السموات والأرض لا بقوة رجل من الناس.

فقد ذهب الرجل إلى ربه، وخلا مكانه، وبطلت كل وسائله، ونام عن شعره نومة الأبدية، وتركه لما فيه يحفظه أو يضيعه إن كان فيه حق من الشعر أو باطل، وأصبح الشاعر هو وماله وجاهه وشعره في حكم الكلمة التي يقولها الزمن، ولم تعد هذه الكلمة في حكمه؛ فهل أثبته الزمن أو نفاه، وهل سلم له أو كابره، وهل رده في أغمار الشعراء أو جعل الشعراء بعده أدلة من أدلته؟

أول ما ظهر لي أن الزمن بعد شوقي أصبح أقوى في الدلالة عليه وأصدق في الشهادة له، كما تكون الظلمة بعد غياب القمر شرحًا طويلًا لمعنى ذلك الضياء، وإن سطعت فيها الكواكب وتوقد منها شيء وتلألأ شيء؛ فقد دل الزمن على أن ذلك الشأن لم يكن لشاعر كالشعراء يقال في وصفه إنه مفتنٌّ مجيد مبدع؛ ولكنه للذي يقال فيه إنه صوت بلاده وصيحة قومه.

كانت تحدث الحادثة، أو يتخالج الناس معنى من الهم الذي يعمهم، أو يستطيرهم فرح من أفراح الوطن، أو يزول عظيم من العظماء فيزيد صفحة في


* لما توفي شوقي كتبنا لشيخ مجلاتنا "المقتطف" فضلًا طويلًا عنه وعن شعره ومنزلة شعره؛ فلم نعرض لشيء من ذلك هنا.
[قلت: وقد نشرناه قبل هذا الفصل] .

<<  <  ج: ص:  >  >>