كان الدر والجوهر والذهب والخلافة، ثم ينبعث ويمضي لا يتلكأ عزمه، إذا كان العلم والفقر والدين والتقوى؟
وانتهى كلام الناس إلى الإمام العظيم، فلم يجئه إلا من الظن خفيًّا خفيًّا، كأنما هي أقوال حسبها ثقال عنه بعد خمسين وثلاثمائة وألف سنة "في زمننا هذا" حين يكون هو في معاني السماء، ويكون القائلون في معاني التراب النجس الذي نفضته على الشرق نعال الأوروبيين؟
قال الراوي: ولم يستطع أحد من الناس أن يواجه الإمام بشفة أو بنت شفة، لا مضيقًا عليه من قلبه ولا موسعًا، حتى كان يوم من أيام الجمعة, وقد مال الناس بعد الصلاة إلى حلقة الشيخ، وتقصفوا بعضهم على بعض، فغص بهم المسجد، وكان إمامنا يفسر قوله تعالى:{وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}[إبراهيم: ١٢] .
قال الراوي: فكان فيما قاله الشيخ:
إذا هُدي المرء سبيله كانت السبل الأخرى في الحياة إما عداء له، وإما معارضة، وإما ردًّا، فهو منها في الأذى، أو في معنى الأذى، أو عُرْضة للأذى. لقد وجد الطريق ولكنه أصاب العقبات أيضًا، وهذه حالة لا يمضي فيها الموفق إلى غايته، إلا إذا أعانه الله بطبيعتين: أولاهما العزم الثابت، وهذا هو التوكل على الله؛ والأخرى اليقين المستبصر، وهذا هو الصبر على الأذى.
ومتى عزم الإنسان ذلك العزم، وأيقن ذلك اليقين؛ تحولت العقبات التي تصده عن غايته، فآل معناها أن تكون زيادة في عزمه ويقينه، بعد أن وُضعن ليكُنَّ نقصًا منهما؛ فترجع العقبات بعد ذلك وإنها لوسائل تعين على الغاية. وبهذا يبسط المؤمن روحه على الطريق، فما بد أن يغلب على الطريق وما فيها, ينظر إلى الدنيا بنور الله فلا يجد الدنيا شيئًا -على سعتها وتناقضها- إلا سبيله وما حول سبيله، فهو ماضٍ قدمًا لا يترادّ ولا يفتُر ولا يكل، وهذه حقيقة العزم وحقيقة الصبر جميعًا.
ومن ثم لا تكون الحياة لهذا المؤمن مهما تقلبت واختلفت, إلا نفاذًا من طريق واحدة دون التخبط في الطرق الأخرى، ثم لا يكون العمر مهما طال إلا مدة صبر في رأي المؤمن.
وعزيمة النفاذ وعزيمة الصبر، هما الضوء الروحاني القوي، الذي يكتسح