ونفس الأنثى ليست أنثى، ولكن شغلها بذلك التبرج وذلك الحرص وذلك الطمع هو يخصصها بخصائص الجسد، ويعطيها من حكمه، وينزلها على إرادته؛ وهذه هي المزلة، فتهبط المرأة أكثر مما تعلو، وتضعف أكثر مما تقوى، وتفسد أكثر مما تصلح. إن نفس الأنثى لرجل واحد، لزوجها وحده.
رأيت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقيرات مقتورًا عليهن الرزق، غير أن كلا منهن تعيش بمعاني قلبها المؤمن القوي، في دار صغيرة فرشتها الأرض ولكنها من معاني ذلك القلب كأنها سماء صغيرة مختبئة بين أربعة جدران. إنهن لم يبتعدن عن الغنى إلا ليبعدن عن حماقة الدنيا التي لا تكون إلا في الغنى.
أف أف! أتريدون أن أزوج ابنتي من ابن أمير المؤمنين فيخزيها الله على يدي، وأدفعها إلى القصر وهو ذلك المكان الذي جمع كل أقذار النفس ودَنَس الأيام والليالي؛ أَأُزوجها رجلًا تعرف من فضيلة نفسها سقوط نفسه، فتكون زوجة جسمه ومطلقة روحه في وقت معًا؟
ألا كم من قصر هو في معناه مقبرة، ليس فيها من هؤلاء الأغنياء رجالهم ونسائهم إلا جيف يبلي بعضها بعضًا!
قال الراوي: وضج الناس لحمامة صغيرة قد جنحت من الهواء, فوقعت في حجر الشيخ لائذة به من مخافة، وجعلت تدف بجناحيها وتضطرب من الفزع، ومر الصقر على أثرها وقد أهوى لها، غير أنه تمطر ومرق في الهواء إذ رأى الناس.
وتناولها الإمام في يده وهي في رجفتها من زلزلة الهواء، وكانت كالعروس مسرولة قد غابت ساقاها في الريش, وعلى جسمها من الألوان نمنمة وتحبير، ولها روح العروس الشابة يُهدونها إلى من تكره ويزفونها على قاتلها الذي يسمى زوجها.
وأدناها الشيخ من قلبه، ومسح عليها بيده، ونظر في الهواء نظرة, وهو يقول: نجوتِ نجوتِ يا مسكينة!