الحسن والأدب والرونق، وما أرى مثلهما يكونان في موضع إلا كان حولهما جلال الملك ووقاره، مما يكون حولهما من نور تلك الأم.
فقال مسلم: وأنت على ذلك غير مصدق إذا قلت لك: إني أحب المرأة الجميلة التي تصف، وليس بي هوى إلا في امرأة دميمة هي بدمامتها أحب النساء إليّ، وأخفهن على قلبي، وأصلحهن لي، ما أعدل بها ابنة قيصر ولا ابنة كسرى.
فبقي ابن أيمن كالمشدوه من غرابة ما يسمع، ثم ذكر أن من الناس من يأكل الطين ويستطيبه لفساد من طبعه، فلا يحلو السكر في فمه وإن كان مكررًا خالص الحلاوة؛ ورثى أشد الرثاء لأم الغلامين أن يكون هذا الرجل الجِلْف قد ضارَّها١ بتلك الدميمة أو تسرَّى بها عليها؛ فقال وما يملك نفسه: أما والله لقد كفرْتَ النعمة، وغدرت وجحدت وبالغت في الضر، وإن أم هذين الغلامين لامرأة فوق النساء، إذ لم يتبين في ولديها أثر من تغير طبعها وكدور نفسها، وقد كان يسعها العذر لو جعلتهما سَخْنة عين لك وأخرجتهما للناس في مساوئك لا في محاسنك، وما أدري كيف لا تندّ عليك، ولا كيف صلحت بمقدار ما فسدتَ أنت، واستقامت بمقدار ما التويتَ، وعجيب والله شأنكما! إنها لتغلو في كرم الأصل والعقل والمروءة والخلق، كما تغلو أنت في البهيمية والنزَق والغدر وسوء المكافأة.
قال مسلم: فهو والله ما قلت لك، وما أحب إلا امرأة دميمة قد ذهبت بي كل مذهب، وأنستني كل جميلة في النساء، ولئن أخذت أصفها لك لما جاءت الألفاظ إلا من القبح والشَّوْهة والدَّمامة؛ غير أنها مع ذلك لا تجيء إلا دالة على أجمل معاني المرأة عند رجلها في الحظْوة والرضى وجمال الطبع؛ وانظر كيف يلتئم أن تكون الزيادة في القبح هي زيادة في الحسن وزيادة في الحب وكيف يكون اللفظ الشائه، وما فيه لنفسي إلا المعنى الجميل، وإلا الحس الصادق بهذا المعنى، وإلا الاهتزاز والطرب لهذا الحس؟
قال ابن أيمن: والله إن أراك إلا شيطانًا من الشياطين، وقد عجَّل الله لك من هذه الدميمة زوجتك التي كانت لك في الجحيم، لتجتمعا معًا على تعذيب تلك الحوراء الملائكية أم هذين الصغيرين، وما أدري كيف يتصل ما بينكما بعد هذا الذي أدخلت من القبح والدمامة في معاشرتها ومعايشتها، وبعد أن جعلتها لا تنظر