للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحب طبيعة غريبة تُرْوَى بالنار فتخصب عليها وتتفتق بمعانيها، كما تروى الأرض بالماء فتخصب وتتغطى بنباتها؛ فإن رَوِيَ الحب من لذاته وبرد عليها، لم ينبت من البلاغة إلا أخفها وزنًا وأقلها معاني، كأول ما يبدو النبات حين يتفطر الثرى عنه، تراه فتحسبه على الأرض مَسْحَة لون أخضر؛ أو لم ينبت إلا القليل القليل كالتَّعَاشِيب١ في الأرض السَّبِخَة.

إن قصة الحب كالرواية التمثيلية، أبلغ ما فيها وأحسنه وأعجبه ما كان قبل "العُقْدة"، فإذا انحلَّت هذه العقدة فأنت في بقايا مفسرة مشروحة تريد أن تنتهي، ولا تحتمل من الفن إلا ذلك القليل الذي بينها وبين النهاية.

وهذه هي رسالة الطائشة إلى صاحبها:

" ...

ماذا أكتب لك غير ألفاظ حقيقتي وحقيقتك؟

يخيل إلي أن ألفاظ خضوعي وتضرعي متى انتهت إليك انقلبت إلى ألفاظ شجار ونزاع!

أي عدل أن تلمسك حياتي لمسة الزهرة الناعمة بأطراف البَنَان، وتقذفني أنت قذف الحجر بملء اليد الصلبة متمطية فيها قوة الجسم؟

جعلتَني في الحب كآلة خاضعة تُدَار فتدور، ثم عبثتَ بها فصارت متمردة تُوقَّف ولا تقف؛ والنهاية -لا ريب فيها- اختلال أو تحطيم!

وجعلت لي عالمًا؛ أما ليله فأنت والظلام والبكاء، وأما نهاره فأنت والضياء والأمل الخائب. هذا هو عالمي: أنتَ أنتَ!

سمائي كأنها رقعة أطبقت عليها كل غيوم السماء، وأرضي كأنها بقعة اجتمعت فيها كل زلازل الأرض! لأنك غَيْمَة في حياتي، وزلزلة في أيامي.

يا بُعْدَ ما بين الدنيا التي حولي, وبين الدنيا التي في قلبي!

ما يجمل منك أن تُلزمني لوم خطأ أنت المخطئ فيه. سلني عن حبي أجبك عن نكبتي، وسلني عن نكبتي أجبك عن حبي!

كان ينبغي أن تكون لي الكبرياء في الحب، ولكن ماذا أصنع وأنت منصرف


١ أعشاب قليلة متفرقة هنا وهناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>