للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلبية في ذاتها، وأنه لا يشدها ويقيمها إلا الصفات السلبية، وملاكها الصبر فروعه وأصوله، وجمالها الحياء والعفة، ورمزها وحارسها والمعين عليها هو الحجاب وحده. إنه إن لم يكن في المرأة هذا فليست المرأة إلا بهذا.

وما تخطئ المرأة في شيء خطأها في محاولة تبديل طبيعتها وجعلها إيجابية، وانتحالها صفات الإيجاب، وتمردها على صفات السلب، كما يقع لعهدنا؛ فإن هذا لن يتم للمرأة، ولن يكون منه إلا أن تعتبر هذه المرأة نقائض أخلاقها من أخلاقها، كما نرى في أوروبا، وفي الشرق من أثر أوروبا؛ فمن هذا تلقي الفتاة حياءها وتبذؤ وتفحش، إن لم يكن بالألفاظ والمعاني جميعًا فبالمعاني وحدها، وإن لم يكن بهذه ولا بتلك فبالفكر في هذه وتلك، وكانت الاستجابة لهذا ما فشا من الروايات الساقطة، والمجلات العارية؛ فإن هذه وهذه ليست شيئًا إلا أن تكون عِلْم الفكر الساقط.

وعادت الفتاة من ذلك لا تبتغي إلا أن تكون امرأة رواية: إما فوق الحياة، وإما في حقائق جميلة تختارها اختيارًا وتفرضها فرضًا على القدَر! تنسى الحمقاء أنها أحد الطرفين، وليست الطرفين جميعًا؛ فتحاول أن تقرر للحياة الجديدة تأويلًا جديدًا لمعاني الشرف والكرامة والعرض والنسب وما إليها؛ فانسلخت من كل شيء، ثم لما أعجزها أن تنسلخ من غريزة الأنوثة طاشت طيشها الأخير، فانسلخت من إنسانية الغريزة.

أما إن غلطة الرجل في المرأة لا تكون إلا من غلطة المرأة في نفسها. وهي قد أُعطيت في طبيعتها كل معاني حجابها؛ فإحساسها محتجب مختبئ أبدًا كأنه في إِتْب١ ومُلاءة وبرقع، وأفكارها طويلة الملازمة لها لا تكاد تتركها، كأنها منها في بيت؛ وطبيعة الحذر لا تبرحها كأنها الحارس الثابت في موضعه، القائم بسلاحه على حفظ هذا الجسم الجميل؛ وطول التأمل موكل بها كأن عمله مصاحبة وحدتها لتخفيفها على نفسها والترفيه منها؛ والدنيا حول المرأة بمذاهب أقدارها، ولكن لها دنيا في داخلها هي قلبها تذهب الأقدار فيه مذاهب أخرى؛ وضغطة الحياة طبيعية فيها، حتى لا يساورها هم من الهموم إلا صار كأنه من عادتها. والتي تمزقها الحياة كلما ولدت لا تكون الحياة إلا رحيمة بها إذا ضغطتها!


١ الإتب هو بردة تشق فتلبس من غير كمين، وتسميه الريفيات "الملس".

<<  <  ج: ص:  >  >>