والعبادة، وإن لسانه السحر، وإن شخصه المغناطيس، وإنه ينطق بالحكمة كأن في صدره إنجيلًا لم يُنزَّل، وإن أمه كانت مولاة لأم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانت ربما غابت أمه في حاجة فيبكي، "فترضعه أم سلمة تعلله بثديها فيدر غلته، فكانت بينه وبين بركة النبوة صلة".
وغدوتُ إلى المسجد والحسن في حلقته يقص ويتكلم، فجلست حيث انتهى بي المجلس، وما كان غير بعيد حتى عرتني نَفْضة كنفضة الحمى، إذ قرأ الشيخ هذه الآية:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}[الحديد: ١٦] ؛ فلو لفظتني الأرض من بطنها، وانشق عني القبر بعد الموت ما رأيت الدنيا أعجب مما طالعتني في تلك الساعة؛ وأخذ الشيخ يفسر الآية، فصنع بي كلامه ما لو بُعث نبي من أجلي خاصة لما صنع أكثر منه.
وكلام الحسن غير كلام الناس، وغير كلام العلماء؛ فإنه يتكلم من قلبه ومن روحه ومن وجهه ولسانه، وناهيكم من رجل خاشع متصدع من خشية الله، لم يكن يرى مقبلًا إلا وكأنه أسير أمروا بضرب عنقه، وإذا ذُكرت النار فكأنها لم تخلق إلا له وحده؛ رجل كان في الحياة لتتكلم الحياة بلسانه أصدق كلماتها.
فصاح صائح: يا أبا يحيى، التفسير! وصاح المؤذن: الله أكبر, فقطع الشيخ وقال: التفسير إن شاء الله في المجلس الآتي.