في مجتمعها ابتذالًا، فأصبح عندها الزواج للزواج على إطلاقه، لا لتكون امرأة واحدة لرجل واحد مقصورة عليه؛ وبذلك عاد الزواج حقا في جسم المرأة دون قلبها وروحها؛ فإن كان الزوج مشئومًا منكوبًا لم يستطع أن يكون رجل قلبها, فعليه أن يدع لها الحرية لتختار زوج قلبها! ومعنى ذلك أن تكون هذه المرأة مع الزوج الشرعي بمنزلة المرأة مع فاسق؛ ومع الفاسق بمنزلة المرأة مع الزوج الشرعي! وإن كان الرجل منحوسًا مخيبًا، وكان قد بلغ إلى قلبها زمنًا ثم مله قلبها, فعليه أن يدع لها الحرية لتتنقل وتلذ بلذات الهوى، ويقول لها: شأنك بمن أحببتِ! فإن هذا المنحوس المخيب ليس عندها إنسانًا، ولكنه رواية إنسانية انتهى الفصل الجميل منها بمناظره الجميلة، وبدأ فصل آخر بحوادث غير تلك. فلمن يشهد الرواية أن يتبرم ما شاء، ويستثقل كما يشاء، ومتى شاء انصرف من الباب!
امرأة هذه المدنية هي امرأة العاطفة؛ تتعلق باللفظ حين تُلبسه العاطفة من زينتها، وإن ضاع فيه المعنى الكبير من معاني العقل، وإن فاتت به النعمة الكبيرة من نعم الحياة.
تقوى العاطفة فتجيء بها إلى رجل، ثم تقوى الثانية فتذهب بها مع رجل آخر! وتفيد نفسها إن شاءت وتُسرّح نفسها إن شاءت؛ وما بد من أن تبلو الحياة كما يبلوها الرجل وأن تخوض في مشاكلها؛ وإذا شاءت جعلت نفسها إحدى مشاكلها! ولا مندوحة من أن تتولى شأن نفسها بنفسها، فإذا خاست أو غدرت فكل ذلك عندها من أحكام نفسها، وكل ذلك رأي وحق، إذ كان محورها الذي تدور عليه هو عاطفتها وحرية هذه العاطفة، فمن هذا يقرر لها خطتها، ويملي عليها واجباتها، ويزوّر لها الأسماء على إرادته دون إرادتها، فيسمي لها نكد قلبها باسم فضيلة المرأة، وحرمان عاطفتها باسم واجب الزوجة الشريفة!
ومنذ خَوَّله الحق أن يقرر وأن يملي!
وهذا الشرقي العتيق المأفون الذي قبلها سافرة لا تعرف روحها ولا جسمها الحجاب؛ ما باله يريد أن يضرب الحجاب على عاطفتها، ويتركها محبوسة في شرفه وحقوقه وواجباته، وإن لم تكن محجوبة في الدار؟!
ما علمت يا إخواني إلا من بعد، أن الزوجة الغربية قد تكون مع زوجها الشرقي كالسائحة مع دليلها. هيهات هيهات، إنه لن يمسكها عليه، ولن يكرهها على الوفاء له، إلا أن تكون حثالة يزهد فيها حتى ذباب الناس؛ فيأسها هو يجعل