للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميلة كالمرأة، بل مثمرة كالتاجر, وتكسُّبها بجمالها يكون أول ما تفكر فيه؛ ومن ذلك لا يكون سرورها بهذا الجمال إلا على قدر ما تكسب منه؛ بخلاف الطبع الذي في المرأة، فإن سرورها بمسحة الجمال عليها هو أول فكرها وآخره".

"إن الساقطة لا تنظر في المرآة -أكثر ما تنظر- إلا ابتغاء أن تتعهد من جمالها ومن جسمها مواقع نظرات الفجور وأسباب الفتنة، وما يستهوي الرجل وما يفسد العفة عليه؛ فكأن الساقطة وخيالها في المرآة، رجل فاسق ينظر إلى امرأة، لا امرأة تنظر إلى نفسها".

ذهبتُ أفكر في هذه الكلمة التي كتبتُها قبل ساعة، ولم أستطع أن ألمس في هذه القضية وجه القاضي؛ فدخلتني رقة شديدة لهذا الجمال الفاتن، الذي أراه يبتسم وحوله الأقدار العابسة؛ ويلهو وبين يديه أيام الدموع؛ ويجتهد في اجتذاب الرجال والشبان إلى نفسه، والوقت آتٍ بالرجال والشبان الذين سيجتهدون في طرده عن أنفسهم.

وتغشّاني الحزن، ورأتْ هي ذلك وعرفتْه؛ فأخرجتْ منديلها المعطر ومسحت وجهها به، ثم هزته في الهواء، فإذا الهواء منديل معطر آخر مسحت به وجهي.

وقال الأستاذ "ح": آه من العطر! إن منه نوعًا لا أستنشيه مرة إلا ردني إلى حيث كنتُ من عشرين سنة خلت، كأنما هو مسجل بزمانه ومكانه في دماغي.

فضحكت هي وقالت: إن عطرنا نحن النساء ليس عطرًا, بل هو شعور نُثبته في شعور آخر.

فقلت أنا: لا ريب أن لهذه الحقيقة الجميلة وجهًا غير هذا. قالت: وما هو؟

قلت: إن المرأة المعطرة المتزينة، هي امرأة مسلحة بأسلحتها. أفي ذلك ريب؟ قالت: لا.

قلت: فلماذا لا يسمى هذا العطر بالغازات الخانقة الغرامية؟

فضحكت فنونًا؛ ثم قالت: وتسمى "البودرة" بالديناميت الغرامي.

ونقلني ذلك إلى نفسي مرة أخرى، فأطرقت إطراقة؛ فقالت: ما بك؟ قلت: بي كلمة الأستاذ "ح"، إنها ألهبت في قلبي جمرة كانت خامدة.

قالت: أو حركت نقطة عطر كانت ساكنة!

فقلت: إن الحب يضع روحانيته في كل أشيائه، وهو يغير الحالة النفسية للإنسان، فتتغير بذلك الحالة للأشياء في وهم المحب. "فعطر كذا" مثلًا هو

<<  <  ج: ص:  >  >>