للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو هاشم: ولكن هؤلاء الأطفال مساكين، ولا ذنب لهم.

قال الحوذي: نعم لا ذنب لهم، غير أنهم هم في أنفسهم ذنوب؛ إن كل واحد من هؤلاء إن هو إلا جريمة تثبت امتداد الإثم والشر في الدنيا؛ ولدتهم أمهاتهم لِغَيَّة١.

فقطع صاحبه عليه وقال: هل وَلَدْنَهم إلا كما تلد سائر الأمهات أولادهن؟

قال: نعم، إنه عمل واحد، غير أن أحواله في الجهتين مختلفة لا تتكافأ؛ وهل تستوي حال من يشتري المتاع، ومن يسرق المتاع؟

ههنا باعث من الشهوة قد عجز أن يسمو سموه -وما سموه إلا الزواج- فتسفَّل وانحط، ورجع فسقًا، وعاد أوله على آخره. كان أوله جُرْمًا فلا يزال إلى آخره جرْمًا، ولا يزال أبدًا يعود أوله على آخره؛ فلما حملت المرأة وفاءت إلى أمرها، وذهب عنها جنون الرجل والرجل معًا؛ انطوت للرجال على الثأر والحقد والضغينة؛ فلا يكون ابن العار إلا ابن هذه الشرور أيضًا.

والأمهات يُعددن لأجنّتهن الثياب والأكسية قبل أن يولدوا، ويهيئن لهم بالفكر آمالًا وأحلامًا في الحياة، فيكسبنهم في بطونهن شعور الفرح والابتهاج، وارتقاب الحياة الهنيئة، والرغبة في السمو بها؛ ولكن أمهات هؤلاء يعددن لهم الشوارع والأزقة منذ البدء، ولا تترقب إحداهن طول أشهر حملها أن يجيئها الوليد، بل أن يتركها حيًّا أو مقتولًا؛ فيُورثنهم بذلك وهم أجنة شعور اللهفة والحسرة والبغض والمقت، ويطبعنهم على فكرة الخطيئة والرغبة في القتل، فلا يكون ابن العار إلا ابن هذه الرذائل أيضًا.

وتظل الفاسقة مدة حملها تسعة أشهر في إحساس خائف، مترقب، منفرد بنفسه، منعزل عن الإنسانية، ناقم، متبرم، متستر، منافق؛ فلو كان السفيح من أبوين كريمين لجاء ثعبانًا آدميًّا فيه سمه من هذا الإحساس العنيف. ومتى ألقت الفاسقة ذا بطنها٢ قطعته لتوه من روابط أهله وزمنه وتاريخه ورمت به ليموت؛ فإن هلك فقد هلك، وإن عاش لمثل هذه الحياة فهو موت آخر شر من ذلك؛ ومهما يتوله الناس والمحسنون، فلا يزال أوله يعود على آخره؛ مما في دمه


١ ولدته لغية أي: من سفاح, وضده: لرشده بفتح الراء.
٢ أي: وضعت وولدت، وهو تعبير عربي بليغ.

<<  <  ج: ص:  >  >>