قال:"إن هذا الكون تعبت فيه آراء المصلحين، وكتب الأنبياء زهاء قرون عديدة، ودائمًا نرى الطبيعة تنتصر. ولقد نرى الحيوان يعلم كيف يعيش بجوار أليفه، والطير كيف يركن إلى عش حبيبته، إلا الإنسان. ولقد تفنن المشرِّعون في أسماء: العادات والتقاليد والحميَّة والشرف والعِرْض، وإن جميع هذه الأشياء تزول أمام سلطان المادة, فما بالكم بسلطان الروح؟
ورأيي لهذا الشاب ألا يطيع أباه ولو ذهب إلى ما يسموه الجحيم "كذا" إذا كان بعد أن يعيش الحياة الواحدة التي يحياها ويتمتع بالحب الواحد المقدر له، ما دام قلبه اصطفاها وروحه تهواها؛ ولو تركتْهُ بعد سنين قليلة لأي داعٍ من دواعي الانفصال "كذا".
وهذا ليس مجرد رأي مجرب، وإنما هو رأي أكبر عقل أنجبته الطبيعة حتى الآن! وسينتصر على جميع من يقفون أمامه، والدليل أن هذا المقال سيشار إليه في مجلة "الرسالة" وهذا الرأي سيعمل به، وصاحب هذا الرأي سيخلد في الدنيا، وسيضع الأسس والقوانين التي تصلح لبني الإنسان مع سمو الروح بعد أن أفسدت أخلاقه عبادة المال.
إن الإنسان يحيا حياة واحدة فليجعلها بأحسن ما تكون، وليمتع روحه بما تمتع به جميع المخلوقات سواه. وإلى الملتقى في ميدان الجهاد".
"المصلح المنتظر" انتهى.
وهذا الكتاب يحل "المشكلة" على طريقة "غير موظف" فليعتقد العاشق أنه غير متزوج فإذا هو غير متزوج، وإذا هو يتقلب فيما شاء؛ وتسأل الكاتب ثم ماذا؟ فيقول لك: ثم الجحيم.
وإنما أوردنا الكتاب بطوله وعرضه؛ لأننا قرأناه على وجهين، فقد نبهتنا عبارة "أكبر عقل أنجبته الطبيعة حتى الآن" إلى أن في الكلام إشارة من قوة خفية في الغيب، فقرأناه على وحي هذه الإشارة وهديها، فإذا ترجمة لغة الغيب فيه:
"ويحك يا صاحب المشكلة، إذا أردت أن تكون مجنونًا أو كافرًا بالله وبالآخرة فهذا هو الرأي. كن حيوانًا تنتصر فيه الطبيعة والسلام! ".
تلك إحدى عجائب المقادير في أول كتاب ألقي إلي؛ أما العجيبة الثانية فإن آخر كتاب تلقيته كان من صاحبة المشكلة نفسها؛ وهو كتاب آية في الظرف وجمال