يرون بأعينهم ما لا يرى بعينه، فكان النصح ينتهي إليه فيظنه غِشًّا وتلبيسًا، وكان اللوم يبلغه فيراه ظلمًا وتحاملًا، وكان قلبه يترجم له كل كلمة في حبيبته بمعنى منها هي لا من الحقائق، إذ غلبت على عقله فبها يعقل، وذهبت بقلبه فبها يحس، واستبدت بإرادته فلها ينقاد؛ وعادت خواطره وأفكاره تدور عليها كالحواشي على العبارة المغلقة في كتاب؛ واستقرت له فيها قوة من الحب، وأمرها إذا أرادت شيئًا أن تقول له كن ... ".
ثم مضت الليلة بعد الليلة، وجاء اليوم بعد اليوم، والموج يأخذ من الساحل الذَّرَّة بعد الذرة والساحل لا يشعر، إلى أن تصرمت أشهر قليلة، فلم تلبث الطبيعة التي ألفت الرواية وجعلتها قبل الزواج رواية الملك والملكة، وقصة التاج والعرش، وحديث الدنيا وملك الدنيا, لم تلبث أن انتقلت على فجأة, فأدارت الرواية إلى فصل السخرية ومنظر التهكم، وكشفت عن غرضها الخفي وحلت العقدة الروائية.
قال: "ففرغ قلب المرأة من الحب، وظمئ إلى السكر والنشوة مرة أخرى من غير هذه الزجاجة الفارغة, وبرد قلب الرجل، وكان الشيطان الذي يتسعّر فيه نارًا شيطانًا خبيثًا، فتحول إلى لوح من الثلج له طول وعرض".
وجَدَّت الحياة وهزل الشيطان، فاستحمق الرجل نفسه أن يكون اختار هذه المرأة له زوجة، واستجهلت المرأة عقلها أن تكون قد رضيت هذا الرجل زوجًا، وأنكرها إنكارًا أوله الملالة، وأنكرته إنكارًا آخر أوله التبرم؛ وعاد كلاهما من صاحبه كإنسان يكلف إنسانًا أن يخلق له الأمس الذي مضى!
"وضربت الحياة ضربة أو ضربتين, فإذا أبنية الخيال كلها هدم هدم، وإذا الطبيعة مؤلفة الرواية, قد ختمت روايتها وقوضت المسرح، وإذا الأحلام مفسرة بالعكس: فالحب تأويله البغض، واللذة تفسيرها الألم، و"البودرة" معناها الجير. وتغير كل ما بينهما إلا الشيطان الذي بينهما، فهو الذي زوج, وهو بعينه الذي طلق".
وكتب أديب من بغداد يقول: "إنه كان في هذا الموضع القَلِق موضع صاحب المشكلة، وإن ذات قرباه التي سميت عليه كانت ملفَّفَة له في حُجُب عدة لا في حجاب واحد، وقد وُصفت له باللغة, وفي اللغة: ما أحسن وما أجمل وما