وتخف على نفسه الأشياء، كأن بعض المعاني الأرضية انتُزعت من المادة. وهنا يدرك الحقيقة: أن السرور إن هو إلا تنبه معاني الطبيعة في القلب.
وللشمس هنا معنى جديد ليس لها هناك في "دنيا الرزق".
تشرق الشمس هنا على الجسم؛ أما هناك فكأنما تطلع وتغرب على الأعمال التي يعمل الجسم فيها.
تطلع هناك على ديوان الموظف لا الموظف، وعلى حانوت التاجر لا التاجر، وعلى مصنع العامل، ومدرسة التلميذ، ودار المرأة.
تطلع الشمس هناك بالنور، ولكن الناس -وا أسفاه- يكونون في ساعاتهم المظلمة.
الشمس هنا جديدة، تثبت أن الجديد في الطبيعة هو الجديد في كيفية شعور النفس به.
والقمر زاهٍ رَفَّاف من الحسن؛ كأنه اغتسل وخرج من البحر.
أو كأنه ليس قمرًا، بل هو فجر طلع في أوائل الليل؛ فحصرته السماء في مكانه ليستمر الليل.
فجر لا يوقظ العيون من أحلامها، ولكنه يوقظ الأرواح لأحلامها.
ويلقي من سحره على النجوم فلا تظهر حوله إلا مستبهمة كأنها أحلام معلقة.
للقمر هنا طريقة في إبهاج النفس الشاعرة، كطريقة الوجه المعشوق حين تقبِّله أول مرة.
و"للربيع المائي" طيوره المغردة وفراشه المتنقل.
أما الطيور فنساء يتضاحكن، وأما الفراش فأطفال يتواثبون.
نساء إذا انغمسن في البحر، خُيِّل إليَّ أن الأمواج تتشاحن وتتخاصم على بعضهن.
رأيت منهن زهراء فاتنة قد جلست على الرمل جلسة حواء قبل اختراع الثياب، فقال البحر: يا إلهي! قد انتقل معنى الغرق إلى الشاطئ.
إن الغريق من غَرِق في موجة الرمل هذه.
والأطفال يلعبون ويصرخون ويَضِجُّون كأنما اتسعت لهم الحياة والدنيا.