للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعظم الشعراء بطرب الوجود وجمال الموجودات إلا شيء قليل من حزن النبي.

"وكان دائم الفكرة ليست له راحة" إذ هو مكلف أن يصنع الإنسان الجديد وينفخ الآدمية فيه. وفكرة النبي هي معيشته بنفسه مع الحقائق العليا، إذ لا يرى أكثرها تعيش في الناس، وهي الفردية واستقلالها وسموها؛ لأنها إطاقة النفس الكبيرة لوحدتها، بخلاف الأنفس الضعيفة التي لا تطيقها، فدأبها أبدًا أن تبحث عما تستعبد له، أو تنسى ذاتها فيه، أو تستريح إليه من ذاتها. ومتى كانت النفس فارغة كان تفكيرها مضاعفة لفراغها، فهي تفر منه إلى ما يلهيها عنه؛ ولكن العظيم يعيش في امتلاء نفسه؛ وعالمه الداخلي تسميه اللغة أحيانا: الفكرة؛ وتسميه أحيانا: الصمت.

"وكان صلى الله عليه وسلم طويل السكت لا يتكلم في غير حاجة" ومن الصمت أنواع: فنوع يكون طريقة من طرق الفهم بين المرء وبين أسرار ما يحيط به؛ ونوع يغشى الإنسان العظيم ليكون علامة على رهبة السر الذي في نفسه العظيمة؛ ونوع ثالث يكون في صاحبه طريقة من طرق الحكم على صمت الناس وكلامهم؛ ونوع رابع هو كالفصل بين أعمال الجسد وبين الروح في ساعة أعمالها؛ ونوع خامس يكون صمتا على دوي تحته يشبه نومًا ساكنًا على أحلام جميلة تتحرك.

على هذا النمط يجب أن تفسر كل أوصافه صلى الله عليه وسلم، فهي بمجموعها طابع إلهي على حياته الشريفة، يثبت للدنيا بكل برهانات العلم والفلسفة أنه الإنسان الأفضل، وأنه الأقدر، وأنه الأقوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>