نفسه الكبيرة؛ إن الشيء النهائي لا يوجد إلا في الصغائر والشر، أما الخير والكمال وعظائم النفس والجمال الأسنى، فهذه حقائق أزلية وجدت لنفسها؛ كالهواء يتنفسه كل الأحياء على هذه الأرض ولا ينتهي، ولا يعرف أين ينتهي؛ وكما ينبعث النور من الشمس والكواكب إلى هذه الأرض يشبه أن تكون تلك الصفات منبعثة إلى النفوس من أنوار الملائكة، وبهذا كان أكبر الناس حظا منهم هم الأنبياء المتصلين بتلك الأنوار.
ومن رحمة الله أن جعل في كل النفوس الإنسانية أصلا صغيرًا يجمع فكرة الخير والكمال وعظائم النفس والجمال الأسنى، وقد تعظم فيه هذه الصفات كلها أو بعضها، وقد تصغر فيه بعضها أو كلها: ألا وهو الحب.
لا بد أن تمر كل حياة إنسانية في نوع من أنواع الحب، من رقة النفس ورحمته، إلى هوى النفس وعشقها.
وإذا بلغ الحب أن يكون عشقا، وضع يده على المفاتيح العصبية للنفس، وفتح للعظائم والمعجزات أبوابها؛ حتى أنه ليجعل الخرافة الفارغة معجزة دقيقة ويملأ الحياة بمعان لم تكن فيها من قبل، ويصبح سر هذا الحب لا ينتهي؛ إذ هو سر لا يدرك ولا يعرف.
اجهد جهدك يا صاحبي، فما هو قفصك الفكري ذلك الشعاع الذي يحبسك، ولكنه صقل النفس لتتلقى الأنوار، ولا بد للمرآة من ظاهر غير ظاهر الحجر لتكون به مرآة.
قلت لنفسي: فما أشده مضضا أعانيه! إن أمري ليذهب فرطًا١. أكلما ابتغيت من الحياة مرحا أطرب له وأهتز، جاءتني الحياة بفكرة أستكد فيها وأدأب؟ أهذا السرور الذي لا يزال يقع بين الناس هو الذي لا يكاد يقع لي؟ وهل أنا شجرة في مغرسها: تنمو صاعدة بفروعها، ونازلة بجذورها, غير أنها لا تبرح مكانها؟ أو أن تمثال على قاعدته: لا يتزحزح عنها إلا ساعة لا يكون تمثالا، ولا يدعها حتى تدعه معاني العظمة التي نصب لها؟
قالت لي النفس: ويحك! لا تطلب في كونك الصغير ما ليس فيه؛ إن الناس لو ارتفعوا إلى السماء وتقلبوا فيها كما يسيح أهل قارة من الأرض في قارة غيرها،