إن مثل هذا الموضوع يشبه تكليف الطالب الصغير خلق هرتين لا الحديث عنهما؛ فإن إجادة الإنشاء في مثل هذا الباب ألوهية عقلية تخلق خلقها السوي الجميل نابضًا حيًّا، كأنما وضعت في الكلام قلب هر، أو جاءت بالهر له قلب من الكلام وأين هذا من الأطفال في الحادية عشرة والثانية عشرة وما حولهما؛ وكيف لهم في هذه السن أن يمتزجوا بدقائق الوجود، ويداخلوا أسرار الخليقة، ويصبحوا مع كل شيء رهنًا بعلله، وعند كل حقيقة موقوفين على أسبابها؟ وقد قيل لهم من قبل في السنوات الخالية:"كن زهرة وصِفْ, واجعل نفسك حبة قمح وقُلْ". وإنما هذا ونحوه غاية من أبعد غايات النبوة أو الحكمة؛ إذ النبي تعبير إلهي تتخذه الحقيقة الكاملة لتنطق به كلمتها التي تسمى الشريعة، والحكيم وجه آخر من التعبير، تتخذه تلك الحقيقة لتلقي منه الكلمة التي تسمى الفن.
وقد كان في القديم امتحان مثل هذا، لم ينجح فيه إلا واحد فقط من آلاف كثيرة؛ وكان الممتحن هو الله جل جلاله؛ والموضوع حديث النملة مع النمل، والناجح سليمان -عليه السلام:
إن الكون كله مستقر بمعانيه الرمزية في النفس الكاملة؛ إذ كانت الروح في ذاتها نورًا، وكان سر كل شيء هو من النور، والشعاع يجري في الشعاع كما يجري الماء في الماء، وفي امتزاج الأشعة من النفس والمادة تجاوب روحاني هو بذاته تعبير في البصيرة وإدراك في الذهن، وهو أساس الفن على اختلاف أنواعه: في الكلمة والصورة، والمثال والنغمة؛ أي: الكتابة والشعر والتصوير والحفر والموسيقى.
ومن ذلك لا يكون البيان العالي أتم إشراقًا إلا بتمام النفس البليغة في فضيلتها أو رذيلتها على السواء؛ فإن من عجائب السخرية بهذا الإنسان أن يكون تمام الرذيلة في أثره على العمل الفني، هو الوجه الآخر لتمام الفضيلة في أثره على هذا العمل؛ والنقطة التي ينتهي فيها العلو من محيط الدائرة هي بعينها التي يبدأ منها الانحدار إلى السفل؛ ومن ثم كانت الفنون لا تعتبر بالأخلاق، حتى قال علماؤنا: إن الدين عن الشعر بمعزل. فالأصل هناك سمو التعبير وجماله، وبلاغة الأداء وروعتها؛ ولا يكون السؤال الفني ما هي قيمة هذه النفس, ولكن ما طريقتها الفنية؟ وأي عجيب في ذلك؟ أليس لجهنم حق في كبار أهل الفن، كما للجنة حق في نوابغه؟ وإذا قالت الجنة: هذه