على غريزته الفاسقة، ولكل غريزة في الإنسان شعور لا مهنأ لها إلا أن يكون حرًا حتى في التوهم؛ وهل يعجب السكير شيء أو يرضيه أو يلذه، كما يعجبه أن يرى الناس كلهم سكارى، فينتشي هو بالخمر، وتسكر غريزته برؤية السكر؟
وما زال رأي الفساق في كل زمن أن الحرية هي حرية الاستمتاع، وأن تقييد اللذة إفساد للذة.
المجلد الخامس:
يزعم الطاغية أنه يعز قومه، وما أراه يعزهم، لكنه يمتحن ذلهم وضعفهم وهوانهم على الأمم؛ يتجرأ شيئا فشيئا، متنظرا ما يتسهل، مترقبا ما يمكن؛ وهو يرى أن أخلاقنا الإسلامية هي أمواتنا دفنوا أنفسهم فينا؛ فمن ذلك يهدم الأخلاق ويظن عند نفسه أنه يهدم قبورًا لا أخلاقًا.
ولقد سخر منه المصريون بنكتة من ظرفهم البديع، وجاءوه من غريزته، فصنعوا امرأة من الورق الذي يشبه الجلد، وألبسوا خفها وإزارها، حتى لا شك من رآها أنها آدمية، ثم وضعوا في فيها قصة وأقاموها في طريقه؛ فلما رآها عدل إليها وأخذ من يدها القصة وقرأها، فإذا فيها سب له ولآبائه، وسخرية من جنونه ورعونته المضحكة؛ فغضب وأمر بقتل المرأة، فكانت هذه سخرية أخرى حين تحقق أنها من الورق، وأخذته النكتة الظريفة بمثل البرق والرعد؛ فاستشاط وأمر عبيده السودان بتحريق الدور ونهب ما فيها وسبي النساء والفجور بهن؛ حتى جاء الأزواج يشترون زوجاتهم من العبيد، بعد أن طارت الزوبعة السوداء في بياض الأعراض.
اندلعت ثورة الفجور في المدينة، لا من العبيد، ولكن من الحيوان العتيق المستقر في هذا الطاغية.
المجلد السادس:
وهذه رعونة من أقبح رعوناته، كأن هذا الحيوان لا يحسب نساء الأمة كلها إلا نساءه، فيأمرهن بأمر امرأته، وكأن النساء في رأيه إن هن إلا استجابات عصبية تطلق وترد.
إن لموجة الفسق في الغريزة الطاغية جزرا ومدا يقعان في تاريخ الفساق؛ فهذا الطاغية قد جزرت فيه الموجة، فأمر أن يمنع النساء من الخروج ليلا ونهارًا،