يصرخن في الرواية الهزلية بلحن طويل يقلن في أوله:"عاوزين رجالة تدلعنا ... " وكانت الموسيقى تصرخ معهن وتولول كأنها هي أيضا امرأة محرومة ...
ثم أرهف المترجم أذنه فقال كبيرهم: إن لهؤلاء الشرقيين ست حواس: الخمس المعروفة، وحاسة الخمول الذي خدعتهم عنه الطبيعة البليدة فسموه الترف والهزل واللهو؛ والأمة الأوروبية التي تحتل بلاد شرقية تجد فيها لصغائر الحياة جيشا أقوى من جيشها؛ فعشرة آلاف جندي بعتادهم وآلاتهم، لا يصنعون شيئلا إلا الاستفزاز والتحدي وإثبات أنهم غاصبون؛ ولكن ما أنت قائل في عشرة آلاف مكان كهذا المسرح براقصاته ومومساته وخموره ورواياته، وبهؤلاء الرجال المخنثين الهزليين الرقعاء الذين هم وحدهم معاهدة سياسية ناجحة بيننا وبين شباب الأمة؟
قال ضابط اليمين: نعم إن فن الاحتلال فن عسكري في الأول، ولكنه فن أخلاقي في الآخر؛ ولهذا يجب تعيين نقطة اتجاه للشباب تكون مضيئة لامعة جذابة مغرية؛ ولكنه في ذات الوقت محرقة أيضا، وهذه هي صناعة إهلاك الشباب بالضوء الجميل، وما على السياسي الحاذق في الشرق إلا أن يحمي الرذيلة، فإن الرذيلة ستعرف له صنيعه وتحميه.
فتكلم ضابط اليسار، ولكن صوته ذهب في عشرين صوتا من رجال المسرح ونسائه يصيحون جميعًا:"يا حلوة يا خفافي، يا مجننة الشبان ... ".
ولما ألممت بحوار الضباط الثلاثة قلت لصاحبي: استأذن لي عليهم أكلمهم. ففعل وعرفني إليهم، وترجم لهم مقالة "يا شباب العرب" وكان يحملها.
فكأنما رماهم منها بالجيش والأسطول.
ثم قلت لكبيرهم: لست أنكر أن الإنجليزي لو دخل جهنم لدخلها إنجليزيا. ولا أجحد أن له في الحياة مثل هداية الحيوان، لأنه رجل عملي؛ دليل منفعته أنها منفعته وحسب، ثم لا دليل غير هذا ولا يقبل إلا هذا. فإذا قال الشرقي: حقي، وقال الإنجليزي: منفعتي، بطلت الأدلة كلها، ورأى الشرقي أنه مع الإنجليزي كالذي يحاول أن يقنع الذئب بقانون الفضيلة والرحمة.
وقد عرفنا أن في السياسة عجائب، منها ما يشبه أن يلقى إنسان إنسانا فيقول له: يا سيدي العزيز، بكل احترام أرجوا أن تتلقى مني هذه الصفعة ...