للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتحتهم ومن حولهم وبين أيديهم، فليسوا يقطعون على هذه الأرض إلا عمرا ترابيا في كل معانيه ولكن ...

قال: وزد على ذلك أنهم مقيدون تقييد المجانين، غير أن حبالهم وسلاسلهم عقلية غير منظورة؛ وبتغليلهم تغليل المجانين يسمون أنفسهم عقلاء، وأعقلهم أثقلهم قيودا، وهذا من الغرابة كما ترى.

قلت: نعم، أما العقلاء بحقيقة العقل، فهم الذين يضحكون على هؤلاء ويسخرون منهم، إذ كانوا في حال كحال المنطلق من المقيد، وفي موضع كموضع المعافى من المبتلى ولكن ...

قال: وفوق هذا وذاك، إنهم لا يملكون السعادة، إذ ليس لهم العقل الضاحك الساخر العابث الذي خص به النوابغ وكان الأوحد فيه "نابغة القرن العشرين".

قلت: نعم، وإذا ملكوا السعادة لم يشعروا بها، أما "النوابغ" فقد لا يملكونها، ولكن لا يفوتهم الشعور بها أبدًا فيجيئهم الفرح من أسبابه ومن غير أسبابه ما دام لهم العقل الضاحك الساخر العابث الذي دأبه أبدًا أن ينسى ليضحك، ولا قانون له إلا إرادة صاحبه، على مشيئة صاحبه، لمنفعة صاحبه. ولكن ...

قال: والذي هو أهم من كل ما سبق؛ أن أعظم خصائص هذا العقل الضاحك الساخر العابث أن يطرد عن صاحبه ما لا يحب ويجنبه أن يخسر شيئا من نفسه؛ فهو لذلك يجعل حسابه مع الأشياء حسابا يهوديًا لا بد فيه من ربح خمسين في المائة.

قلت: نعم، وهو دائما كالطفل؛ وما أظرف بلاهة الطفل وما أجداها عليه، إذ يضع بلاهته دائما في أرواح الأشياء وأسرارها فتخرج بلهاء مثله، وتنقلب له الدنيا كأنها أم تضاحك ابنها وتلاعبه ولكن ...

قال: ولكن هذا مبلغ لا تبلغه الإنسانية إلا شذوذا في أفرادها من جبابرة العقول "كنابغة القرن العشرين".

قلت: نعم "ولكن" كيف صار "نابغة القرن العشرين" رواية حين قرأ الرواية؟

قال: هذه نكتة النبوغ؛ فلو أن مؤلفها كان نابغة مثلنا يتلقى في نفسه وحي الأثير وإشارات الروح الأعظم؛ لعلم من الغيب أن "نابغة القرن العشرين" سيقرأ روايته، فكان يتحرى معاني غير معانيه ويتوخى بهذه القصة وضعا آخر لا تكون فيه حبيبة خائنة، ولا لص عارم، ولا قاتل سفاح، ولا سجن مظلم، ولا محكمة تقول حيث وحيث ...

<<  <  ج: ص:  >  >>