ملائكة أخرى إن شاء هذا الإنسان عملت، وإن شاء عجزت؛ وهي فضائل الأديان المنزلة. فإذا منحها الإنسان إرادته وقوته، فعملت عملها كان الإنسان هو الملك بل فوق الملك، وإذا أضعفها ومحقها كان الإنسان هو الشيطان وأسفل من الشيطان.
يا أرسطو١:"هذا العالم عندي كتلة من العدم اتفقت على الظهور وستختفي. والعالم عندي ضعف ركب وقوة ركبت. والعالم عندي لا شيء. والعالم بين بين. والعالم قسمان: منهم الفلاح الزراعي وذلك أفضل فلسفة طبيعية. والعالم في حاجة إلى الموت والموت في حاجة إليه. والأدب هو الحياة ولا حياة بلا أدب. والأدب ضربان: أدب نفساني وأدب مكتسب، وقد يكون طبيعيا كما هو عند نابغة القرن العشرين. ومن هو نابغة القرن العشرين؟ هو شخص مات بلا موت، ويحيا بلا حياة".
أتريد يا أرسطو أن تعرف سر تركيب العالم؟ الأمر يسير غير عسير، فإن سر تركيبه كسر تركيب القرش الذي في يدك، فدعني أظهرك على هذه الحقيقة ومد يدك بالقرش لأبين لك سر التركيب فيه.
ولكن المجنون الآخر أسرع فغيب القرش في جيبه. فقال "النابغة": هذا سياسي داهية خبيث. والرواية الآن رواية سياسي القرن العشرين.
ليس في حقيقة السياسة إلا الرذل من أفعال السياسيين. والألفاظ السياسية التي تحمل أكثر من معنى هي التي لا تحمل معنى. فليحذر الشرق من كل لفظ سياسي يحتمل معنيين، أو معنى ونصف معنى، أو معنى وشبه معنى؛ فإن قالوا لنا:"أحمر" قلنا لهم: اكتبوه بهذا اللفظ؛ فإذا كتبوه قلنا لهم: ارسموا إلى جانبه معناه باللون الأحمر لتشهد الطبيعة نفسها على أن معناه أحمر لا غير ... وعلى هذه الطريقة يجب أن تكتب المعاهدات السياسية بين أوروبا والشرق ...
إنهم يكتبون لنا جريدة بأسماء الأطعمة ثم يقولون: أكلتم وشبعتم ... ولقد رأيت "مظاهرات" كثيرة ولا كالمظاهرة التي أتمناها؛ فما أتمنى إلا أن يخرج كل المجانين في مظاهرة ...
١ هذه الأسطر التي وضعناها بين القوسين هي من كلام المجنون بالنص، وكنا سألناه أن يكتب رأيه في العالم والحياة فكتب على البديهة مقالة كلها تخليط، وتندر فيها كلمات كأعمق ما تجيء به مذاهب الفلسفة.