للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صغير؛ غليظ عَبْل شديد الجِبِلَّة متراكب بعضه على بعض١، كأنه جِنِّي متقاصر يهم أن يطول منه المارد، فأنس به "عصمت"، واطمأن إلى قوته، وأقبل يشكو له ويبكي!

قال جعلص: ما اسمك؟

قال: أنا ابن المدير‍!

قال جعلص: لا تبك يابن المدير. تعلم أن تكون جلدًا، فإن الضرب ليس بذُل ولا عار، ولكن الدموع هي تجعله ذلًّا وعارًا؛ إن الدموع لتجعل الرجل أنثى. نحن يابن المدير نعيش طول حياتنا إما في ضرب الفقر أو ضرب الناس، هذا من هذا؛ ولكنك غني يابن المدير، فأنت كالرغيف "الفينو" ضخم منتفخ، ولكنه ينكسر بلمسة، وحشوه مثل القطن!

ماذا تتعلم في المدرسة يابن المدير إذا لم تعلمك المدرسة أن تكون رجلًا يأكل من يريد أكله؛ وماذا تعرف إذا لم تكن تعرف كيف تصبر على الشر يوم الشر، وكيف تصبر للخير يوم الخير، فتكون دائمًا على الحالتين في خير؟

قال عصمت: آه لو كان معي العسكري!

قال جعلص: ويحك؛ لو ضربوا عنزًا لما قالت: آه لو كان معي العسكري!

قال عصمت: فمن أين لك هذه القوة؟

قال جعلص: من أني أعتمل بيدي, فأنا أشتد وإذا جعت أكلت طعامي؛ أما أنت فتسترخي، فإذا جعت أكلك طعامك؛ ثم من أني ليس لي عسكري!

قال عصمت: بل القوة من أنك لست مثلنا في المدرسة؟

قال جعلص: نعم، فأنت يابن المدرسة كأنك طفل من ورق وكراسات لا من لحم، وكأن عظامك من طباشير! أنت يابن المدرسة هو أنت الذي سيكون بعد عشرين سنة، ولا يعلم إلا الله كيف يكون، وأما أنا ابن الحياة، فأنا من الآن، وعلي أن أكون "أنا" من الآن!

أنت.

وهنا أدركهما العسكري المسخر لابن المدير، وكان كالمجنون يطير على


١ أي: شديد فتل العضل, مكتنز اللحم.

<<  <  ج: ص:  >  >>