- آه لو صرتُ مديرًا! أتدرين ماذا أصنع؟
- ماذا تصنع يا أحمد؟
- أعمد إلى الأغنياء فأردّهم بالقوة إلى الإنسانية، وأحملهم عليها حملًا، أصلح فيهم صفاتها التي أفسدها الترف واللين والنعمة, ثم أصلح ما أخَلَّ به الفقر من صفات الإنسانية بالفقراء، وأحملهم على ذلك حملًا، فيستوي هؤلاء وهؤلاء، ويتقاربون على أصل في الدم إن لم يلده آباؤهم ولده القانون. ألا إن سقوط أمتنا هذه لم يأت إلا من تعادي الصفات الإنسانية في أفرادها، فتقطع ما بينهم، فهم أعداء في وطنهم، وإن كان اسمهم أهل وطنهم.
ومتى أُحكمت الصفات الإنسانية في الأمة كلها ودانى بعضها بعضًا؛ صار قانون كل فرد كلمتين، لا كلمة واحدة كما هو الآن. القانون الآن "حقي" ونحن نريد أن يكون "حقيا وواجبيا" وما أهلك الفقراء بالأغنياء، ولا الأغنياء بالفقراء, ولا المحكومين بالحكام, إلا قانون الكلمة الواحدة.
أنا أحمد المدير, لست المدير بما في نفس أحمد، ولا بمعدته وبطنه، ولا بما يريد أحمد لنفسه وأولاده, كلا، أنا عمل اجتماعي منظم يحكم أعمال الناس بالعدل، أنا خُلُق ثابت يوجه أخلاقهم بالقوة، أنا الحياة الأم مع الحياة الأطفال الأخوة في هذا البيت الذي يسمى الوطن، أنا الرحمة, عندي الجنة ولكن عندي جهنم أيضًا ما دام في الناس من يعصي، أنا بكل ذلك لست أحمد، لكني الإصلاح.
ها أنا ذا قد صرت مديرًا أعُس في الطريق بالليل وأتفقد الناس ونوائبهم.
من أرى؟ هذا طفل وأخته على عتبة البنك في حياة كأهدامهما المرقعة، في دنيا تمزقت عليهما، قم يا بني، لا تُرَعْ إنما أنا كأبيك، تقول: اسمك أحمد, واسم أختك أمينة؟
تقول: إنك ما نمت من الجوع، ولكن مضمضت عينك بشعاع النوم؟
يا ولديّ المسكينين, بأي ذنب من ذنوبكما دقّتكما الأيام دقا وطحنتكما طحنا، وبأي فضيلة من الفضائل يكون ابن فلان باشا، وبنت فلان باشا في هذا العيش اللين يختاران منه ويتأنقان فيه، ما الذي ضر الوطن منكما فتموتا، وما الذي نفع الوطن منهما فيعيشا؟
إن كنتَ يا بني لا تملك لنفسك الانتصار من هذه الظليمة فأنا أملكها لك،