وقال الغلام لنفسه:"هذا الرجل أقوى من كل قوة؛ فهو محكوم عليه ولا يبالي، بل يقهقه ضحكًا؛ فهذا الحكم إذن لا يخيف؛ لا، بل هو تعود الأحكام؛ إذن فمن تعود الأحكام لم يخف الأحكام؛ إذن يا عبد الرحمن ستتعود، فإن الخوف هذه المرة قد غطك من "علبة الكبريت" في حريق متسعر، وما قدر "علبة الكبريت"؟ فلو كانت السرقة جاموسة ما لقيت أكثر من ذلك؛ يا ليتني إذن ... ولكني لا أزال صغيرًا، فمتى كبرت ... آه متى كبرت..".
وبدأ القانون عمله في الغلام؛ فطرد منه الطفل وأقر فيه المجرم.
وأطرق "عبد الرحمن" هادئًا ساكنًا. وقامت في نفسه محكمة من الأبالسة بقضاتها ونيابتها؛ يجادل بعضهم بعضًا، ويداولون بينهم أمر هذا الغلام على وجه آخر.
وقال شيطان منهم:"ولكنا نخشى أمرين: أحدهما أن "الإصلاحية" ستخرجه بعد سنتين شريفًا يحترف؛ والثاني أن الناس ربما تولوه بالتربية والتعليم في المدارس رحمة وشفقة؛ فيخرج شريفًا يحترف".
وما أسرع ما نفى الخوف عنهم قول الغلام نفسه بلهجة فيها الحقد والغيظ وقد صفعه الجندي الذي يقوده إلى السجن:"ودا كله على شأن علبة كبريت؟ ... ".