ألف نوع من اللذة ولو كانت كلها في صورة واحدة؛ ولو بكى ألف عاشق من هجر ألف معشوق لكان في كل دمع نوع من الحزن ليس في الآخر!
قلت: فنوع تصورك لهذه الراقصة التي تحبها، أن إبليس هنا في غير إبليستيه!
قال: هكذا هي عندي، وبهذا أسخر من الحقيقة الإبليسية.
قلت: أو تسخر الحقيقة الإبليسية منك، وهو الأصح وعليه الفتوى ... ؟
فضحك طويلًا، وقال: سأحدثك بغريبة: أنت تعرف أن هذه الغادة لا تظهر أبدًا إلا في الحرير الأسود؛ وهي رقيقة البشرة ناصعة اللون، فيكون لها من سواد الحرير بياض البياض وجمال الجمال؛ فلقد كنت أمس بعد العشاء في طريقي إلى هذا المكان لأراها، وكان الليل مظلمًا يتدجى، وقد لبس وتلبس وغلب على مصابيح الطريق فحصر أنوارها حتى بين كل مصباحين ظلمة قائمة كالرقيب بين الحبيبين يمنعهما أن يلتقيا؛ فبينا أقلب عيني في النور والغسق وأنا في مثل الحالة التي تكون فيها الأفكار المحزنة أشد حزنًا -إذ رفع لي من بعيد شبح أسود يمشي مشيته متفترًا قصير الخطو يهتز ويتبختر؛ فتبصرته في هيئته فما شككت أنها هي، وفتحت الجنة التي في خيالي وبرزت الحقائق الكثيرة تلتمس معانيها من لذة الحب؛ وكان الطريق خاليًا، فأحسست به لنا وحدنا كالمسافة المحصورة بين ثغرين متعاشقين يدنو أحدهما من الآخر، وأسرعت إسراع القلب إلى الفرصة حين تمكن؛ فلما صرت بحيث أتبين ذلك الشبح إذا هو.. إذا هو قسيس..
فقلت: يا عجبًا! ما أظرف ما داعبك إبليس هذه المرة! وكأنه يقول لك: إيه يا صاحب الفضيلة ...
وكان الممثلون يتناوبون المسرح ونحن عنهم في شغل؛ إذ لم تكن نوبتها قد جاءت بعد؛ وألقى الشيطان على لساني فقلت لصاحبنا: ما يمنعك أن تبعث إليها فلانًا يستفتح كلامها ثم يدعوها، فليس بينك وبينها إلا كلمة "تعالي" أو تفضلي؟
قال: كلا، يجب أن تنفصل عني لأراها في نفسي أشكالًا وأشكالًا؛ ويجب أن تبتعد لألمسها لمسات روحية؛ ويجب أن أجهل منها أشياء لأحقق فيها علم قلبي؛ ويجب أن تدع جسمها وأدع جسمي وهناك نلتقي رجلًا وامرأة ولكن على فهم جديد وطبيعة جديدة. بهذا الفهم أنا أكتب، وبهذه الطبيعة أنا أحب!