للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرى القلب المسكين في حبيبته إلا تعبير الجمال، فهو يفهمها فهم التعبير ككل موضوعات الفن، وما بينه وبينها إلا أن حقيقة الجمال تعرفت إليها فيها، أئن أحس الشاعر سرًا من أسرار الطبيعة في منظر من مناظرها، قلتم أجرم وأثم؟

هذا قلب ذو أفكار، وسبيله أن يعان على ما يتحقق به من هذا الفن، قد تقولون: إن في الطبيعة جمالًا غير جمال المرأة فليأخذ من الطبيعة وليعط منها؛ ولكن ما الذي يحيي الطبيعة إلا أخذها من القلب؟ وما هي طريقة أخذها من القلب إلا بالحب؟ وقد تقولون: إنه يتألم ويتعذب؛ ولكن سلوه: أهو يتألم بإدراكه الألم في الحب، أو بإدراكه قسوة الحقيقة وأسرار التعقيد في الخير والشر؟

إن شعراء القلوب لا يكونون دائمًا إلا في أحد الطرفين: هم أكبر من الهم، فرح أكثر من الفرح؛ فإذا عشقوا تجاوزوا موضوع الوسط الذي لا يكون الحب المعتدل إلا فيه؛ ومن هذا فليس لهم آلام معتدلة ولا أفراح معتدلة.

هذا قلب مختار من القدرة الموحية إليه، فالتي يحبها لا تكون إلا مختارة من هذه القدرة اختيار ملك الوحي، وهما بهذا قوتان في يد الجمال لإيداع أثر عظيم ملء قدرتين كلتاهما عظيمة..

فإن قلتم إن حب هذا القلب جريمة على نفسه، قالت الحقيقة الفنية: بل امتناع هذه الجريمة جريمة.

إن خمسين وخمسين تأتي منهما مائة، فهذا بديهي، ولكن ليس أبين ولا أظهر ولا أوضح من قولنا: إن هذا العاشق وهذه المعشوقة يأتي منهما فن.

قال صاحب القلب المسكين: وانصرف القضاة إلى غرفتهم؛ ليتداولوا الرأي فيما يحكمون به، وأومأت لي المحامية الجميلة تدعوني إليها، فنهضت أقوم فإذا أنا جالس وقد انتبهت من النوم.

جائزة١: لمن يحسن كتابة الحكم في هذه القضية خمس نسخ من كتاب "وحي القلم"، وترسل المقالات "باسمنا إلى طنطا"، والموعد "إلى آخر شهر يناير هذا" والشرط رضى المحكمين، ومنهم صاحب القلب المسكين وصاحبته..


١ قلت: وردت إلى المؤلف مئات الرسائل بحكم أصحابها في قضية "القلب المسكين"، ولكن مسابقة الحكم في هذه القضية لم يفصل فيها؛ لأن قاضيها الأول ومتهمها الأول قد غاله الموت قبل أن يرى رأيه ويحكم حكمه!

<<  <  ج: ص:  >  >>